إخترت اليوم أن أقدِّم للقراء الكرام أحد أهم الكتب في مجال الإقتصاد التي تشرح أزمة الديون السيادية اليونانية, جذورها وأسبابها, وهي الأزمة التي كادت أن تؤدي بالإتحاد الأوروبي الى التفكك واليورو الى الإنهيار. جيسون مانولوبولوس, مؤلف الكتاب, يحمل درجة الماجستير في المحاسبة والتمويل من كلية لندن للاقتصاد والعلوم السياسية وهي أحد أشهر الكليات المتخصصة في مجال الدراسات الإقتصادية والسياسية. كما أن جيسون قد ساهم في تأسيس صندوق استثماري (Dromeus Capital Group) وعمل في مجموعة من البنوك العالمية منها ميريل لينش(Merrill Lynch) وباركليز(Barclays Capital) قي مدينة لندن.
إن مصطلح (Odious Debt) في القانون الدولي يشير الى الديون التي تقترضها الدول والحكومات ويتم إستخدامها لأغراض لا تخدم مصالح الأمة وبسبب ذلك, لا يجوز إعفاء تلك الديون, فهي تعتبر ديونا شخصية ولا يترتب على الدولة بموجبها أي التزامات. لم تتعلم الحكومات اليونانية المتعاقبة من الأزمة الأرجنتينية(١٩٩١-٢٠٠٠) وهي الأزمة التي تكرَّرت سنة ٢٠١٤ وإستمرت في الإقتراض من الأسواق المالية الدولية كما أن الحكومة اليونانية إنضمت لمنطقة اليورو بعد أن قدمت بيانات إقتصادية ومالية مضلِّلة حيث يرى الكاتب أن قبول عضوية اليونان في منطقة اليورو كان لأسباب سياسية.
الحكومات اليونانية المتعاقبة وبسبب الاضطرابات التي أصابت البلاد, حرب أهلية(١٩٤٦-١٩٤٩) واضطرابات سياسية استمرت إلى سنة ١٩٨٣, قامت بإتباع سياسة قائمة على شراء السلم الاجتماعي مما أدى إلى تضخم الجهاز الحكومي وإنتشار الفساد والواسطة والمحسوبية والرشوة. وقد كانت النتيجة ظهور قطاع عام فاسد حيث لم تجري أي إصلاحات حقيقية برأي الكاتب وكادت الأمور أن تصل الى حافة الهاوية سنة ٢٠١٠ حيث أغلقت البنوك أبوابها وتم السماح للمودعين بسحب ما مقداره ٦٠ يورو في اليوم. إن اقتصاد اليونان يفتقر الى أربعة عوامل أساسية حتى يساهم بفعالية في زيادة الناتج الإجمالي المحلي وظهور قطاع مال وأعمال يتميز بالكفاءة والفعالية:
- توفر المواد الأولية, العمالة الماهرة والبنية التحتية.
- توفر شروط أسواق مستقرة مع التوازن بين العرض والطلب.
- إتباع سياسات مالية وقانونية حازمة تكون جاذبة للإستثمارات ورأس المال.
- رفع كفاءة القطاع الصناعي حتى يكون قادرا على المنافسة في المستوى الدولي.
هناك عدد من الظواهر السلبية التي يعاني منها الاقتصاد اليوناني الذي يصنَّف من قبل المختصين على أنه إقتصاد ناشئ وليس متقدم أو صناعي. بعض تلك الظواهر السلبية هي المحسوبية, سيطرة الدولة على مفاصل الاقتصاد,تضخم الجهاز الحكومي,محاباة الأقارب,المحسوبية والفساد من بين الظواهر السلبية التي تعاني منها اليونان وتعدُّ من الأسباب الرئيسية لمشكلتها الإقتصادية خصوصا أنها بقيت دون حلول حيث لم تجري أي إصلاحات حقيقية لفترة زمنية طويلة. وهناك بعض الإحصاءات الصادمة التي ذكرها الكاتب والتي توضح للقارئ حجم الأزمة التي تعاني منها اليونان والى اي مدى وصلت إليه:
- ٣٢١ مواطن يوناني متوفى تاريخ ميلادهم يعود لمائة عام ومازلت أسرهم وأقربائهم يحصلون على معاشاتهم التقاعدية.
- بلغ عدد موظفي الحكومة اليونانية ٧٦٨ ألف وهي نسبة مرتفعة حسب إحصاء تم إجرائه سنة ٢٠١٠.
- بلغت تكلفة دورة الألعاب الأولمبية التي أقيمت في اليونان سنة ٢٠٠٤ مبلغ ١١ مليار يورو وذلك ضعف التكلفة الأصلية.
- أظهر مسح جوي لمنطقة شمال العاصمة اليونانية أن عدد المواطنين اليونانين الذي قدموا بيانات عقارية مطابقة للواقع ٣٢١ من أصل ١٦٩٧٤ أقروا بامتلاكهم حمامات سباحة في منازلهم وذلك من أجل تجنب ضريبة عقارية مرتفعة.
- عدد السنين التي انقضت على إنتهاء مشروع تجفيف بحيرة كوبايس(Kopais)هو ٥٣ عاما ومع ذلك لا يزال المكتب الذي يدير شؤون البحيرة يعمل فيه ٣٠ موظفا بدوام كامل.
وهناك الكثير من المعلومات التي قد تصدم من يقرئها لأول مرَّة حيث أن الكاتب قد وثَّق المعلومات التي ذكرها في الكتاب بإضافة الأرقام والإحصائيات والجداول والبيانات الموثّقة التي تعزز وجهة نظره حول جذور أزمة الديون السيادية اليونانية وتداعيات تلك الأزمة على اليونان, الإتحاد الأوروبي والعالم. كتاب (Greece's 'Odious' Debt) هو أحد الكتب التي أنصح القارئ بشرائها وكم كنت أتمنى لو أن أحد دور النشر في الوطن العربي تتولى ترجمة هذا الكتاب لما له من أهمية والمعلومات القيمة التي يحتويها.
مع تمنياتي للجميع دوام الصحة والعافية
النهاية
No comments:
Post a Comment