تحولت صناعة الأغذية في عصر العولمة الى صناعة تمثلها رؤوس الأموال العابرة للقارات حيث إختفى نموذج المزارع التقليدية وتحول إلى نموذج المزارع الصناعية(Industrial Farming) التي تعتمد أساليب الإنتاج المكثف. الأمر أشبه ما يكون بثورة زراعية, طرق الزراعة التقليدية يتم استبدالها لتحلِّ مكانها أساليب الزراعة الحديثة والمعاصرة حيث الآلات الزراعية التي تختصر الوقت والتكلفة. ولكن أي عملية تطور لا يمكن أن تتم بدون أضرار جانبية يختلف تأثيرها باختلاف ظروف الزمان والمكان, كتاب فارماغيدون(Farmageddon) هو صرخة استغاثة ودعوة لتغيير ممارساتنا الحالية في إنتاج طعامنا والعودة لأساليب الزراعة المستدامة التي تحافظ على مستوى الإنتاج الزراعي مع مراعاة البيئة التي نعيش فيها والتي علينا أن نحافظ عليها من أجل مستقبل الأجيال القادمة. المؤلفان, فيليب روميري, رئيس منظمة (Compassion in World Farming) وإيزابيل أوكيشوت ,صحفية بريطانية, قاما بتأليف كتاب فارماغيدون(Farmageddon) الذي أثار ضجة واسعة في أوساط الناشطين البيئيين وخبراء الصحة العامة بحديثه عما يدور خلف الأبواب المغلقة لشركات صناعة الأغذية التي تضع الربح وليس صحة المستهلك في سلم أولوياتها.
إن المجاعة ليست كارثة طبيعية بل هي من صنع الإنسان. إن تحدي قوانين الطبيعة قد أدى الى الكوارث البيئية, إنتشار الأوبئة والمجاعات. كميات هائلة من الأغذية خصوصا الحبوب يتم إتلافها للحفاظ على مستوى سعري محدَّد بدلا من التبرع بها لإطعام فقراء يتضورون جوعا. الإستخدام المكثف المضادات الحيوية والهرمونات من أجل سرعة نمو الحيوانات وحمايتها من الأوبئة أدى الى ظهور جراثيم مقاومة لأقوى المضادات الحيوية. مساحات شاسعة من الأراضي يتم إستخدامها في سبيل إنتاج الذرة وفول الصويا لإطعام قطعان الماشية وحيوانات المزارع أو إنتاج الوقود الحيوي(إيثانول-٨٥). المزارع الصناعية تساهم في تلويث البيئة من خلال مخلفات الحيوانات التي لا يتم التخلص منها بطريقة سليمة وآمنة وغاز الميثان الذي تفرزه قطعان الماشية حيث يعتبر من الغازات التي تساهم في ظاهرة الإحتباس الحراري. الإستخدام المفرط للمبيدات الحشرية قد أدى الى القضاء على الحياة الطبيعية في مناطق مثل وادي كاليفورنيا حيث يتم استئجار خدمات مربي النحل من ولايات أمريكية أو من بلدان مثل أستراليا حيث تشحن خلايا النحل جوا. حتى الأسماك التي يتم صيدها من المحيطات يتم إستخدامها علف للماشية بدلا من إطعام سكان كوكب الأرض.
هناك عدد من الدول التي تسمح بتجاوز الكثير من قوانين حماية ورعاية الحيوانات من قبل شركات إنتاج الأغذية بذريعة أن حيوانات المزارع لا يتم تصنيفها على أن حيوانات أليفة وبالتالي ليس لديها نفس الحقوق. تلك الممارسات يتم السماح بها بفضل أساليب دعاية مزيفة ومضللة خصوصا أن تلك النوعية من الممارسات هي نتيجة حتمية نتيجة زيادة عدد سكان الكرة الأرضية والحاجة الى إطعامهم. موارد الكرة الأرضية تتعرض لإسائة الاستخدام والدعاية بأنها ليست كافية هي دعاية تحوي مغالطات متعمدة هدفها الترويج الكاذب وتضليل المشاهدين. الإتحاد الأوروبي يقوم بتقديم دعم سنوي يبلغ حوالي ٥٠ مليار يورو من أموال الضرائب للمزارعين تحت مسمى (CAP - Common agricultural policy). وفي الولايات المتحدة, يتكلف الدعم المقدم للمزارعين أكثر من ٣٠ مليار دولار سنويا يتم تخصيص أغلبها للشركات الزراعية العملاقة خصوصا تلك المسؤولة عن إنتاج محاصيل حيوية مثل الذرة وفول الصويا. إن الدعم المقدم من الإتحاد الأوروبي للمزارعين المحليين قد ادى الى أضرار كبيرة لمزارعي الدول الفقيرة والنامية. إن إتفاقيات التجارة الحرة تمنع تقديم الدول الدعم للمزارعين المحليين ولكن دولا أوروبية مثل هولندا تخالف تلك الشروط وتقوم بتقديم الدعم لشركات زراعية محلية مما يجعلها قادرة على منافسة المزارعين الصغار في دول أفريقية وآسيوية.
إن الآثار البيئية السلبية لأساليب الزراعة المكثفة أكثر من أن تعدَّ أو تحصى. إستخدام الأسماك البرية لإطعام أنواع الأسماك آكلة اللحوم مثل السالمون عبر تحويلها الى مسحوق سمك قد أدى إلى استنزاف الثروة السمكية المخصصة لإطعام البشر والى تناقص في أعداد الطيور البحرية التي تعتمد على تلك الأسماك مصدرا رئيسيا للغذاء. الأسماك الهاربة من مزارع الأسماك الصناعية تختلط مع الأنواع البرية حيث تتكاثر وتنتج أنواعا من الأسماك تحمل صفات جينية غير مرغوبة أو تنقل أمراضا وبائية تؤدي لنفوق أعداد كبيرة من الأسماك البرية. أعداد طيور الأشجار في المملكة المتحدة انخفضت بنسبة ٩٧%, الحجل الرمادي بنسبة ٩٠%, حمائم السلاحف بنسبة ٨٩%, حيث أن ذلك مجرد أمثلة بسيطة من قائمة مطولة من الآثار الكارثية لتجاهل الإنسان قوانين البيئة وتحدي الطبيعية بشكل يومي ومستمر.
مع تمنياتي للجميع دوام الصحة والعافية
النهاية
No comments:
Post a Comment