البروفيسور بارت إيرمان رئيس قسم الدراسات الدينية في جامعة كارولينا الشمالية تشابل هيل يعتبر أحد أكثر المختصين خبرة في دراسات المسيحية والعهد الجديد ومؤلف عدد كبير من الكتب منها كتاب "هل المسيح موجود؟" حيث حققت كتبه أعلى نسبة مبيعات. ولكن الكتاب الذي أقدمه للسادة القراء اليوم يختلف عن باقي كتب البروفيسور إيرمان حيث أنه لقي قبولا لدى المسيحيين المحافظين لأنه يدافع عن وجود يسوع المسيح في مواجهة من يزعمون أنه شخصية وهمية ولا أساس تاريخي لها. البروفيسور بارت إيرمان ناقد معروف مختص في تاريخ المسيحية والعهد الجديد كما أنه خبير في اللغات القديمة التي كتبت بها مخطوطات الكتاب المقدس منها اليونانية, الآرامية والقبطية مما يجعله قادرا على قرائة تلك المخطوطات بلغاتها الأصلية والمقارنة بينها.
وفي الحقيقة, إن أقرب كتاب باللغة العربية وجدته يعارض ويناقض وجهة نظر بارت إيرمان حول وجود المسيح هو "المساومة الكبرى" من تأليف الدكتورة زينب عبد العزيز, أستاذة الحضارة والأدب الفرنسي في جامعة القاهرة. وقد وجدت أنه من المفيد أن أذكر بعض أهم النقاط التي أوردتها الدكتورة في كتابها في معرض المقارنة بين وجهتي نظر مختلفتين وذلك لمزيد من الفائدة للقارئ.
فيلون السكندري(٢٠ق.م-٥٠م) هو فيلسوف ومثقف ولد أيام هيرودس الأكبر, أي أنه كان معاصرا ليسوع المسيح ولديه معرفة واسعة عن كل ما يتعلق باليهود, بالإضافة الى كتابته ٥٧ مؤلفا. أحد مؤلفاته "عصر بيلاطس" الذي كان واليا رومانيا على مقاطعة يهودا, ولكن فيلون لم يذكر شيئا عن يسوع المسيح في كتبه. ولكن كل ذلك ليس دليلا قويا على عدم وجود يسوع المسيح. فيلون ولد وعاش في مدينة الإسكندرية حيث لم تنتشر أخبار المسيحية والمسيحيين هناك حتى وقت متأخر على وفاته.
المؤرخ اليهودي فلافيوس جوزيف(٣٨م-١٠٠م) عاش في مقاطعة يهودا واشترك في حروب اليهود ضد الرومان لينقلب على قومه في وقت لاحق ويحصل على الجنسية الرومانية. كما أنه مؤلف عدد من الكتب منها "حرب اليهود ضد الرومان" من سبعة مجلدات و "التاريخ القديم لليهود" من عشرين مجلدا. في كتاب "الآثار اليهودية," هناك فقرة واحدة من بضعة أسطر تتحدث عن يسوع المسيح ولكنها مشكك في مصداقيتها وأنها أضيفت الى الكتاب من قبل نساخ مسيحيين في مرحلة زمنية لاحقة. البروفيسور إيرمان يناقش أيضا تلك الإشكالية المثارة حول مصداقية النص في كتاب "هل المسيح موجود؟" ويذكر أن الفقرة وإن تعرضت للتحريف, فإنها تقدم دليلا تاريخيا على وجود يسوع المسيح وأن المزاعم بأنه تمت إضافتها بأكملها من قبل بعض النساخ المسيحيين هي مزاعم باطلة.
بليني الأصغر(٦١م-١١٣م) محامي وأديب وموظف حكومي روماني كتب مجموعة من الرسائل كان أحدها عبارة عن رسالة للإمبراطور الروماني تراجان عندما كان يتولى منصب حاكم إحدى المقاطعات في آسيا الصغرى. في تلك الرسالة التي كتبت سنة ١١٢م, يأتي بيني على ذكر المسيح ثلاث مرات, مرَّة عندما تحدث عن المسيحيين الذين يغنون ترنيمة للمسيح كما لو كان إلها, ومرتين عند حديثه عن المشتبه بأنهم مسيحيون وهم يلعنون المسيح كجزء من إرتدادهم وتوبتهم.
المؤرخ الروماني سويتونيوس(٦٩م-١٤٠م) كتب سيرة إثني عشرة إمبراطورا رومانيا لم يأتي على ذكر المسيح في أي من مؤلفاته. إلا أنه في كتابته عن سيرة حياة الإمبراطور الروماني كلوديوس(١٠م-٥٤م), ذكر أنه طرد اليهود من روما لأنه كانوا يثيرون القلاقل بقيادة المحرِّض كريستوس, إسم شائع في اللغة اليونانية ويعني الطيِّب أو الأفضل وليس له علاقة بكلمة المسيح التي تعني الممسوح بالزيت. كما أنه تحدث عن طرد اليهود وليس المسيحيين. البروفيسور إيرمان لا يعترض في كتابه "هل المسيح موجود على ما كتبه المؤرخ سويتونيوس لكنه يجادل أن ذلك يأتي في سياق الأحداث التاريخية حيث أن المؤمنين برسالة المسيح خلال تلك الفترة المبكرة من تاريخ المسيحية هم من اليهود الذين أثاروا الاضطرابات والشغب في روما كما جاء في سفر أعمال الرسل(١٨). وأن الخلط بين إسم المسيح باللغة اللاتينية(Christus) وإسم كريستوس(Chrestus) هو مجرد خطأ في كتابة الأسماء وهو شائع في تلك الفترة.
رغم أنه هناك فارق زمني بيد صدور الكتابين, كتاب "المساومة الكبرى" وكتاب "هل المسيح موجود" تقريبا ٦ سنين ورغم عدم معرفة الكاتبين ببعضهما البعض, إلا أن البروفيسور إيرمان يمتلك المصداقية العلمية بسبب تخصصه في نقد المخطوطات وتاريخ المسيحية التي تجعل وجهة نظره أكثر قبولا من الناحية الأكاديمية. وأنا وإن حاولت الإختصار قدر الإمكان, إلا أنني أنصح أي شخص يرغب في الإطلاع على كتاب "هل المسيح موجود" أن يقرأ قبلها كتاب "المساومة الكبرى" حتى يفهم وجهتي نظر متناقضتين متعارضتين فيزداد علما ومعرفة.
مع تمنياتي للجميع دوام الصحة والعافية
النهاية
No comments:
Post a Comment