يوصف سلافوي جيجيك بأنه أخطر فيلسوف سياسي في الغرب وأنه أكثر الفلاسفة المعاصرين شهرة وإثارة للجدل وأنه نجم الفلسفة المتمردة وأنه فيلسوف يرفض الحوار الفلسفي وفوضوي ماركسي وبأنه قادم من أدغال الثوريين القدامي.
ولد سلافوي جيجيك بتاريخ ٢١/مارس/١٩٤٩ في العاصمة السلوفينية لوبلانا. أنهى دراسته الجامعية في جامعة لوبلانا وحصل منها على درجة جامعية في علم الاجتماع والفلسفة ثم درجة الدكتوراه في فنون الفلسفة ودرس التحليل النفسي في جامعة باريس الثامنة. عمل أستاذا زائرا في عدد من الجامعات الأمريكية والأوروبية منها جامعة شيكاغو, جامعة كولومبيا, جامعة برينستون, جامعة نيويورك وجامعة لندن. يتميز بغزارة كتاباته حيث قام بتأليف ٧٠ كتابا وعدد كبير من المقالات في صحف متعدد مثل صحيفة الغارديان. كما أنه يتميز بتعدد المواضيع والمسائل التي يتناولها في كتاباته مثل العولمة, البيئة, الرأسمالية, الأصولية واللاجئين. كتابه الذي إخترت أن أحدثكم عنه اليوم محوره قضية اللاجئين حيث يتناوله سلافوي بأسلوب فريد ومتميز بعيد كل البعد عن وجهات النظر التقليدية التي حصرت مسألة اللاجئين بأنها مسألة إنسانية بحتة بدون النظر بحيادية وموضوعية في العوامل التي أدت إلى ما يوصف في وسائل الإعلام بأنها أكبر أزمة لاجئين في تاريخ العالم منذ الحرب العالمية الثانية.
"إنتهى زمن ميركل" ذلك هو العنوان الذي تصدر مقالا في صحيفة هاندلسبلات الألمانية حيث هناك توقعات في ألمانيا بعدم بقاء المستشارة أنجيلا ميركل على رأس الحكومة حتى موعد الانتخابات ٢٠٢١ على الرغم من إعلانها الإستقالة من رئاسة الحزب الديمقراطي المسيحي. والسبب هو قضية اللاجئين حيث أعلنت الترحيب بهم سنة ٢٠١٥ بما يشبه سياسة الباب المفتوح ودخل الأراضي الألمانية أكثر من مليون لاجئ. كما أن حزب ميركل خسر قدرته على تشكيل حكومة أغلبية إثر الإنتخابات التشريعية الأخيرة بسبب خسارته الكثير من الأصوات لصالح الأحزاب اليمينية والشعبوية فدفعه ذلك للتحالف مع أحزاب أخرى مثل الحزب البافاري, الشريك الأكبر في الائتلاف الحكومي, والذي هو نفسه قد خسر بسبب تحالفه مع حزب المستشارة الألمانية الكثير من الأصوات في انتخابات الولايات البافارية وحصل على أقل نسبة تصويت منذ ٦٠ عاما. الأحزاب الشعبوية واليمينية المتطرفة مثل حزب البديل الشعبوي المتطرف حصلت على أصوات الغاضبين من سياسة الترحيب باللاجئين التي أعلنتها ميركل وفاز حزب البديل لأول مرة في تاريخه من الفوز بمقاعد في البرلمان مما أدى الى زلزال سياسي في ألمانيا.
يتحدث جيجيك في كتابه عن مشكلة اللاجئين وأنها "الثمن الذي تدفعه البشرية من أجل الاقتصاد العالمي." مشكلة نتجت عن إتساع اللامساواة وأنها جزء من المستقبل خصوصا مع دخول ظواهر الاحتباس الحراري والتغير المناخي دائرة اللاعودة بحسب بعض الآراء حيث سوف تصبح أماكن أخرى من العالم بقاعا غير صالحة للعيش بسبب إرتفاع درجات الحرارة. إن مشكلة اللاجئين بالنسبة للفيلسوف المشاكس هو نوع من الإبتزاز الأيديولوجي, مشكلة تحمل بعدا مزدوجا: سياسة إغلاق الحدود كما يطالب بعض السياسيين المحافظين ومؤيديهم ممن ينتمون للفكر الشعبوي المعادي للهجرة أو تركها مفتوحة على مصراعيها كما يطالب الليبراليون ومؤيديهم من المتعاطفين مع الهجرة والمهاجرين على الرغم من علمهم باستحالة تحقيق مطلبهم على أرض الواقع لأن ذلك سوف يؤدي الى إنتفاضة شعبوية وهو ما يتحقق في عدد من البلدان الأوروبية بل وفي الولايات المتحدة نفسها حيث وصل لسدة الحكم سياسيون من المعادين للهجرة والمهاجرين. وبالتالي, فإن جيجيك يصف موقف الليبراليين من قضية اللاجئين بالنفاق.
إن ردة الفعل في أوروبا على طوفان اللاجئين الأخير يمثل عددا من الخيارات تتراوح بين إنكار جدية المشكلة وأنها لا تشكل تهديدا, الغضب من التهديد الذي يشكله أولئك المهاجرون خصوصا تسلل عناصر أصولية عبر موجات الهجرة ممن لديهم ميول لإستخدام العنف لتحقيق أهدافها, الموافقة مع التحفظ وذلك من خلال المطالبة بتقنين اللجوء عبر تحديد أعداد اللاجئين, ومشاعر اليأس بأن أوروبا قد ضاعت وسوف تتحول قريبا الى أوروبستان أو أوروبيا(Europstan or Europia). ولكن ينقصها بحسب رؤية الفيلسوف والمفكر السلوفيني القبول بالأمر الواقع وبالتالي إيجاد الحلول على مستوى أوروبا للتعامل مع قضية حساسة تهدد الهوية الأوروبية وقيم الحضارة الأوروبية لأن أولئك اللاجئين لن يتكيفوا مع تلك القيم وبدلا من ذلك يحاولون مدفوعين أيديولوجيا دينية لفرض ثقافتهم الخاصة عبر عملية تغيير شامل وممنهج للمبادئ والقوانين الأوروبية.
يتسائل جيجيك في كتابه عن المبررات التي قدمتها المستشارة ميركل عندما أعلنت في خطبتها سنة ٢٠١٦ الترحيب بمئات الآلاف من اللاجئين للقدوم الى ألمانيا, وهل قامت باستشارة الشعب الألماني والحصول على موافقة شعبية على خطتها؟ إن إستقبال مئات الآلاف من الأشخاص المختلفين عرقيا وثقافيا الى ألمانيا بما يهدد بتغيير المجتمع والثقافة الألمانيتين بشكل جذري وبدون الأخذ في الإعتبار للآراء المعارضة بحسب ما تقتضيه المبادئ الديمقراطية يعتبر عملا خاطئأً. ولكن السياسيين بشكل عام لا يهتمون لآراء الناخبين. مفوضة التجارة في الاتحاد الأوروبي سيسيليا مالمستروم(Cecilia Malmström) ردت ببرود على الأسئلة الموجهة لها بخصوص الموافقة على اتفاقية الشراكة التجارية والاستثمارية العابرة للأطلسي على الرغم من المعارضة الشعبية, بأنها لا تستمد سلطاتها من المواطنين الأوروبيين"I do not take my mandate from the European people."*
وفي ختام الموضوع, إن قراءة كتاب "ضد المعايير المزدوجة(Against the Double Blackmail)" للمؤلف و الفيلسوف سلافوي جيجيك تضيف بعدا آخر لرؤيتنا لمشاكل العالم والكيفية التي نفهم بها تلك المشاكل ونتعامل معها, أزمة اللاجئين هي أحد تلك المشاكل المزمنة التي تناولها جيجيك في كتابه. ولقد حاولت تناول الكتاب باختصار تاركا للقارئ والمهتم بتلك النوعية من الكتب مطالعة الكتاب بنفسه حتى لا أفسد عليه عنصر المفاجأة المتمثل بما يحتويه ذلك الكتاب من أفكار وآراء قد تمثل صدمة لمن يقرئها أول مرة بسبب ابتعاد الكاتب عن التقليد والنمطية وتفرده في طريقة التحليل والبحث. أنصح بقراءة ذلك الكتاب فهو قد نال الاستحسان وتلقى الكثير من التقديرات الإيجابية والنقد الإيجابي على مستوى العالم.
مع تمنياتي للجميع دوام الصحة والعافية
النهاية
No comments:
Post a Comment