حقَّق الكاتب والإقتصادي الفرنسي توماس بيكيتي شهرة على مستوى الوطن العربي بعد ترجمة كتابه رأس المال في القرن الحادي والعشرين الى العربية سنة ٢٠١٧ وهو جهد مشكور لدار نشر التنوير والمترجمين وائل جمال وسلمى حسين. توماس بيكيتي الذي يوصف بأنه كارل ماركس القرن الحادي والعشرين هو اقتصادي فرنسي حاصل على شهادة الدكتوراه في الإقتصاد في سن صغيرة حيث بلغ ٢٢ عاما ونالت أطروحته حول توزيع الثروات جائزة أفضل أطروحة دكتوراه الممنوحة من طرف الجمعية الفرنسية للعلوم الإقتصادية. توماس بيكيتي شخصية معروفة في الولايات المتحدة وفي بلده الأم, فرنسا حيث أنه نال حظوة للتدريس في معهد ماساشوستس للتكنولوجيا ثم عمل في المركز الوطني للبحث العلمي في فرنسا ومدير مدرسة الدراسات العليا في العلوم الاجتماعية (EHESS). يشغل توماس بيكيتي كرسي الأستاذية في مدرسة باريس للاقتصاد التي أسسها بيكيتي لمنافسة مدرسة لندن للاقتصاد في المملكة المتحدة.
سنة ٢٠١٧, كان نصيب ١% من سكان العالم ما يعادل ٨٢% من الثروات في حين أن ٣.٧ مليار من سكان العالم وهم الأكثر فقرا لم يشهدوا أي زيادة على ثرواتهم. وقد إهتم بكيتي في كتابه بدراسة عدم المساواة من منظور تاريخي حيث عمل مع باحثين من أكثر من ٣٠ دولة في أكبر قاعدة بيانات تاريخية عن عدم المساواة في الدخل والثروة حيث غطت فترة زمنية تقارب ثلاثمائة سنة. ويمكن تلخيص الفكرة الرئيسية للكتاب بالمعادلة(r>g), العوائد على رأس المال(r) تزيد عن نسبة النمو الاقتصادي(g) مما سوف يؤدي الى زيادة تركيز الثروة بيد أشخاص قليلين, ١٠% من سكان العالم يملكون أكثر من ٥٠%-٦٠% من الثروات بينما تمتلك النخبة الأكثر ثراء ١% مانسبته ٤٠%-٥٠% من تلك الثروات أكثر مما تمتلكه نسبة ٩% الباقية. هناك دول مثل الولايات المتحدة حيث تزداد الهوة الطبقية ويتمتع الأثرياء بإعفاءات ضريبية ومعاملة تفضيلية بينما ينخفض مستوى الفروق الطبقية في دول مثل السويد, النرويج والدنمارك حيث يتم تطبيق الضريبة التصاعدية على الدخل التي يمكن أن تصل الى ٥٠%-٦٠%.
لا يكتفي توماس بيكيتي في كتابه بالحديث عن مشكلة تصاعد اللامساواة وزيادة تركيز الثروة في يد فئة قليلة من سكان الكرة الأرضية لا تتجاوز ١٠% تسيطر على ٥٠%-٦٠% من الثروات, ولكنه يقدم الحلول الواضحة والعملية التي يمكن تلخيصها في محورين رئيسيين: الأول هو إعادة العمل بنموذج دولة الرعاية الإجتماعية التي يتم العمل من خلالها على إعادة توزيع الثروات وتقليل الفروقات الطبقية من خلال الضريبة التصاعدية على الدخل, بينما الثاني هو فرض ضريبة عالمية على الثروة والتي يرى بيكيتي أنه لا يمكن نجاح ذلك دون اتفاق ترعاه الأمم المتحدة يتضمن نوعا من الحلول لمشكلة الملاذات الضريبية حيث يمتلك الأثرياء حسابات بنكية سرية غير خاضعة للضريبة ويقومون بإنشاء شركات في تلك الجزر الضريبية بحيث تجري عبرها عمليات تجارية لا يمكن تتبعها من قبل الهيئات المالية في بلدانهم الأصلية. أشهر تلك الملاذات الضريبية هي بنما, جزر العذراء وجزر كايمان التابعتان للتاج البريطاني. كما أنه هناك دول مثل سويسرا وليختنشتاين تتمتع فيها العمليات المصرفية بالسرية. إن حجم الأموال التي تضمها تلك الملاذات الضريبية التي يبلغ عددها حوالي ٥٠ يبلغ أكثر من ١٠ تريليون دولار, ٤٠٠ مؤسسة مصرفية ومليوني شركة تقريبا.
نشر توماس بيكيتي كتابه الذي وصف بأنه من أخطر الكتب في العالم باللغة الفرنسية لأول مرة سنة ٢٠١٣ وتمت ترجمته الى اللغة الإنجليزية من قبل دار النشر التابعة لجامعة هارفارد سنة ٢٠١٤ وإلى العربية سنة ٢٠١٧. وقد بيعت من الكتاب أكثر من ٥٠٠ ألف بنسخته الإنجليزية وحقق مبيعات إجمالية بلغت مليوني نسخة وهو رقم مرتفع بكل المعايير والمقاييس. كما أن الكتاب تلقى تقديرات ممتازة ومراجعات إيجابية من صحف عالمية مثل نيويورك تايمز, وول ستريت جورنال, يو إس توداي, صنداي تايمز, فاينانشال تايمز, الإيكونوميست, الواشنطن بوست, الغارديان وموقع شركة أمازون. عدد صفحات الكتاب يبلغ ٦٣٣ صفحة ولكنه يمتلئ بالجداول والرسوم البيانية التي تدعم وجهة نظر الكاتب وتثبت صحتها وتجعل القارئ لا يرغب في التوقف عن قراءة الكتاب والاستفادة من المعلومات التي تحتويها صفحاته.
مع تمنياتي للجميع دوام الصحة والعافية
النهاية
No comments:
Post a Comment