يعتبر الكاتب الكندي المقيم في الولايات المتحدة مارك ستاين أحد أكثر الكتاب المنتمين الى اليمين المحافظ شهرة وتطرفا في وجهات النظر التي يقدمها لقرائه ومتابعيه. يتميز مارك بأسلوب النقدي الذي يمزج السخرية والهزلية مع إستخدامه اللغة الإنجليزية العامية بطريقة تجعله متميزا ولكن في الوقت نفسه, تجعل مهمة فهم محتوى كتاباته تحدِّيا للقارئ الذي تعتبر اللغة الإنجليزية ليست لغته الأم.
المعركة الفاصلة بين الخير والشر والتي يطلق عليها في الأساطير الدينية (أرماغيدون) هي التي اختارها مارك عنوانا لكتابه الذي يحاول فيه التحذير من العواقب التي تواجهها الولايات المتحدة في حال استمرت في العمل وفق النموذج الذي ينتقده مارك واليمينيون المحافظون بإستمرار. على الولايات المتحدة أن تقوم بتغيير مسارها وإلا فإنها سوف تواجه الهزيمة والإنهيار الكاملة في معركتها من أجل البقاء. يمثَِل مارك وجهة نظر اليمين الأمريكي المحافظ الذي يرفض تدخُّل الدولة في الأسواق ويدعو الى تحرير القطاع المالي والمصرفي من القوانين التي تقيّد عمله, خصخصة قطاع التعليم الحكومي, يعارض تقديم الدولة الخدمات الصحية المجانية للمواطنين وينتقد مزايا التي تقدمها أنظمة الرعاية الاجتماعية والتقاعد التي يعتبرها اليمينيون المحافظون سخية وتؤدي الى نتائج عكسية.
سنة ١٩٧٩, كان عدد الأمريكيين الذين يتلقون إعانة حكومية بطريقة أو بأخرى يبلغ ٧% بينما إرتفع ذلك العدد سنة ٢٠٠٩ الى ٣٠%. سنة ٢٠٠٠, كان عدد الأمريكيين الذين يعتمدون على القسائم الغذائية(Food Stamp) يبلغ ١٧ مليون مواطن أمريكي, سنة ٢٠٠٩ بلغ العدد ٤٦ مليون. خلال السنوات الثلاث الأولى من حكم الرئيس باراك أوباما, تمكن ٢.٦ مليون أمريكي من شغل وظائف جديدة ولكن في الوقت نفسه, تقدَّم ٣.١ مليون شخص للحصول على الإعانات المخصصة للغير قادرين على العمل(Social Disability). سنة ٢٠١٢, أعلن مكتب الإحصاء أن ٢٠% من الأمريكيين يصنفون على أنهم غير قادرين على العمل بسبب عاهة جسدية أو عقلية مثل مرض نفسي يجعلهم غير قادرين على التواصل مع الآخرين. حكومة الولايات المتحدة وحتى حكومات الدول السبعة(G-7) هم مدمنين على الإنفاق(Spendaholic) وهو مصطلح يستخدمه مارك بكثرة.
كما يعتبر مارك أن عملية الإصلاح المالي في الولايات المتحدة لا يمكن أن تتم عبر قوانين الإصلاح الضريبي بفرض المزيد من الضرائب على الأثرياء بل بتقليص الإنفاق الغير ضروري الذي يعتبر أحد أعراض الحكومات المتضخمة حيث يدعو مارك الى تقليص حجم الكادر الحكومي الذي يعتبره سببا من أسباب انحسار القوة الأمريكية. يتحدث مارك عن قوانين الإصلاح الضريبي التي تم إقرارها خلال السنوات الأولى من حكم الرئيس باراك أوباما حيث من المتوقع أن يتم جمع ٣.٢ مليار دولار سنويا زيادة في العائدات الضريبية. ولكن حجم العجز في الإنفاق الحكومي يبلغ ١٨٨ مليون دولار في الساعة, مبلغ ٣.٢ مليار دولار يغطي ١٧ ساعة فقط من عجز الإنفاق. الرئيس الأمريكي السابق ذكر في خطابه عن حالة الإتحاد أن كبار الأثرياء الأمريكيين يدفعون ضرائب أقل من مدراء مكاتبهم, أحد هؤلاء هو ثالث أغنى شخص في العالم المستثمر المشهور وارن بافيت.
هناك الكثير من المعلومات الذي ذكرها مارك ستاين عن الولايات المتحدة في كتابه والتي شرح من خلالها وجهة نظره المتشائمة نوعا ما حول المستقبل الاقتصادي للولايات المتحدة. وقد تفاجأت بتلك المعلومات التي أقرئها لأول مرة خصوصا أن مارك يتميز بأسلوبه الساخر وإتقانه الكتابة وأسلوبه المتميز.
وبعيدا عن كتابات مارك الأخرى التي ينتقد فيها العرب ويحذر من الهجرة الإسلامية الى أوروبا, سوف أقوم بتقديم وجهة نظر نقدية مختصرة للكتاب وهو الذي لم أعتد القيام به ولكن للضرورة أحكام. الشركات الأمريكية الكبرى هي المسؤولة عن تردي أوضاع العاملين في الولايات المتحدة وزيادة نسبة البطالة حيث تضغط بشكل دائم لتخفيض أجور العمال وتستخدم نفوذها عبر لوبيات الضغط وأعضاء في الهيئات التشريعية لمنع تمرير قوانين زيادة الحد الأدنى من الأجور. على سبيل المثال فإن نسبة كبيرة من موظفي شركة وول مارت الذين يعملون بدوام كامل مؤهلين للحصول على القسائم الغذائية والتي بدونها سوف يكونون عاجزين عن تأمين طعامهم أو دفع فواتيرهم. شركة وول مارت التي تعلن باستمرار عن تخفيضات في الأسعار ولكن ذلك يكون على حساب صغار الموظفين وأجورهم التي تتقلص باستمرار. شركات الأطعمة السريعة مثل ماكدونالدز وكنتاكي تدفع الحد الأدنى للأجور لموظفيها حيث يجبرهم ذلك على الإعتماد بطريقة أو بأخرى على الدعم الحكومي سواء عبر قسائم الغذاء أو مساعدات مالية أو سكن مدعوم حكوميا. في كندا, فروع شركة تيم هورتنز في ولاية أونتاريو المملوكة لأبناء وأفراد من أسرة مؤسس الشركة أعلنت تقليص إمتيازات الموظفين وخطة تسريح عمال وتقليص ساعات العمل بسبب إقرار الحكومة المحلية مشروع قانون رفع الحد الأدني للأجور تدريجيا الى ١٥ دولار/ساعة. مارك ستاين مثله غيره ممن ينتمون فكريا وسياسيا لليمين المحافظ يلقون باللائمة على الفقراء ومحدودي الدخل بينما يتجنبون الحديث عن دور الشركات الاستغلالي.
هناك الكثير مما يمكن قرائته في ذلك الكتاب حيث أنه من المؤسف أنه لم تتم ترجمته الى اللغة العربية ولكنه متوفر على موقع شركة أمازون وغيرها من شركات النشر ودور الطباعة حيث يمكن شراء نسخة إلكترونية أو توصيل نسخة مطبوعة الى عنوان الشخص الراغب في شراء الكتاب.
مع تمنياتي للجميع دوام الصحة والعافية
النهاية
No comments:
Post a Comment