يوصف ميلتون فريدمان أنه ثاني أكثر الاقتصاديين شعبية بعد البريطاني جون مينارد كينز. وقد حاز الاقتصادي الأمريكي على جائزة نوبل في العلوم الاقتصادية سنة ١٩٧٦ عن إنجازاته في تحليل الاستهلاك والمعروض النقدي وشرح سياسات التوازن. يعتبر ميلتون فريدمان المولود في مدينة نيويورك سنة ١٩٢١ الأب المؤسس لمدرسة شيكاغو الاقتصادية بالاشتراك مع اقتصاديين آخرين منهم جورج ستيجلر. وقد شغل عدد من تلاميذ ميلتون فريدمان ممن درسوا على يديه في كلية الاقتصاد في جامعة شيكاغو الأمريكية مناصب بارزة وفاز عدد منهم بجوائز نوبل منهم غاري بيكر الفائز بجائزة نوبل في العلوم الإقتصادية ١٩٩٢ و وسام الحرية الرئاسي ٢٠٠٧, روبرت فوغل الفائز بجائزة نوبل في العلوم الإقتصادية ١٩٩٣ وغيرهم من كبار الاقتصاديين على مستوى الولايات المتحدة والعالم.
يعتبر كتاب ميلتون فريدمان الرأسمالية والحرية(Capitalism & Freedom) أحد الكتب المهمة في مجال الاقتصاد التي جلبت لمؤلفها الإهتمام الدولي والعالمي حتى من خارج الأوساط الأكاديمية. إن كتاب الرأسمالية والحرية هو أحد الكتب التي أحدثت تأثيرا تجاوز حدود بلد المؤلف وأدى الى تغيرات جذرية في مجال الاقتصاد حيث إستخدم فريدمان في كتابه نماذج اقتصادية غير رياضية للبحث في قضايا السياسة العامة. وبيعت من الكتاب أكثر من نصف مليون نسخة وترجم الى ثمانية عشرة لغة. يعتبر فريدمان أحد أنصار الليبرالية الكلاسيكية والتي تحولت في مرحلة لاحقة الى ما يعرف بالمذهب النيوليبرالي وهي وجهة النظر التي عبر عنها في كتابه بأن الأسواق الحرة سوف تساعد الدول والأفراد على المدى الطويل. وبان التدخل الحكومي في الأسواق يجب أن يكون محدودا و مقتصرا في الضرورة القصوى على حماية الدولة والشعب والتأكد من حماية العقود وتنفيذها.
قام فريدمان بتقسيم كتابه الى مقدمة, إثني عشرة فصلا وخاتمة. في كل فصل كان يتناول فكرة معينة مثل العلاقة بين الحرية الاقتصادية والحرية السياسية, دور الحكومة في المجتمعات الحرة, الرقابة الحكومية على النقود, النظم المالية والتجارية الدولية, السياسة المالية, دور الحكومة في التعليم, الرأسمالية والتمييز العنصري, الإحتكار والمسؤولية الإجتماعية لرجال الأعمال والنقابات العمالية, ترخيص مزاولة المهنة, توزيع الدخل, إجراءات الرفاهية الإجتماعية, تخفيف حدة الفقر, الخاتمة.
يعتبر فريدمان أحد أبرز الإقتصاديين المعارضين للتدخل الحكومي في الأسواق حيث كان يرى أن على الحكومة أن لا تتحول الى وحش كاسر يقيِّدُ حرية مواطنية ويجعلهم مجرد عبيد. ويرى فريدمان من وجهة نظره أن التهديد الأكبر للحرية يكمن في تركيز السلطة بأيدي حفنة من السياسيين ممن يملكون سلطة اتخاذ القرار. الوظيفة الأساسية للحكومة كما يراها هي الحفاظ على القانون والنظام وتطبيق العقود الخاصة. الرأسمالية لا تحول دون الرفاهية الإقتصادية ولا تنمية الثروات الشخصية. لا يمكن التهرب من مسؤولية الفشل بإلقاء اللوم على السوق, المشكلة في التطبيق وليس في الآليات والأنظمة. مشكلة الحكومات أن تجبر المواطنين على التصرف ضد مصالحهم الخاصة في سبيل مصلحة عامة مفترضة.
قد نتفق أو نختلف مع وجهة نظر فريدمان المعارضة لتدخل الحكومة في شؤون الاقتصاد والسوق ولكن لا يختلف شخصان اثنان على أنه أحد أكثر الاقتصاديين تأثيرا في القرن العشرين حيث قدم نصائحه لعدد من الحكومات في الولايات المتحدة وفي أمريكا اللاتينية وحتى في الصين. لعب فريدمان ونظرياته حول التدخل الحكومي دورا محوريا في عملية التحول الاقتصادي من المدرسة الاقتصادية الكينزية الى المدرسة الاقتصادية الليبرالية التي شهدتها الولايات المتحدة وبريطانيا مع انتخاب رونالد ريغان رئيسا للولايات المتحدة حيث عمل مستشارا اقتصاديا, ومارغريت تاتشر رئيسة الوزراء البريطانية.
مع تمنياتي للجميع دوام الصحة والعافية
النهاية