Flag Counter

Flag Counter

Sunday, August 27, 2023

Capitalism and Freedom

يوصف ميلتون فريدمان أنه ثاني أكثر الاقتصاديين شعبية بعد البريطاني جون مينارد كينز. وقد حاز الاقتصادي الأمريكي على جائزة نوبل في العلوم الاقتصادية سنة ١٩٧٦ عن إنجازاته في تحليل الاستهلاك والمعروض النقدي وشرح سياسات التوازن. يعتبر ميلتون فريدمان المولود في مدينة نيويورك سنة ١٩٢١ الأب المؤسس لمدرسة شيكاغو الاقتصادية بالاشتراك مع اقتصاديين آخرين منهم جورج ستيجلر. وقد شغل عدد من تلاميذ ميلتون فريدمان ممن درسوا على يديه في كلية الاقتصاد في جامعة شيكاغو الأمريكية مناصب بارزة وفاز عدد منهم بجوائز نوبل منهم غاري بيكر الفائز بجائزة نوبل في العلوم الإقتصادية ١٩٩٢ و وسام الحرية الرئاسي ٢٠٠٧, روبرت فوغل الفائز بجائزة نوبل في العلوم الإقتصادية ١٩٩٣ وغيرهم من كبار الاقتصاديين على مستوى الولايات المتحدة والعالم.

يعتبر كتاب ميلتون فريدمان الرأسمالية والحرية(Capitalism & Freedom) أحد الكتب المهمة في مجال الاقتصاد التي جلبت لمؤلفها الإهتمام الدولي والعالمي حتى من خارج الأوساط الأكاديمية. إن كتاب الرأسمالية والحرية هو أحد الكتب التي أحدثت تأثيرا تجاوز حدود بلد المؤلف وأدى الى تغيرات جذرية في مجال الاقتصاد حيث إستخدم فريدمان في كتابه نماذج اقتصادية غير رياضية للبحث في قضايا السياسة العامة. وبيعت من الكتاب أكثر من نصف مليون نسخة وترجم الى ثمانية عشرة لغة. يعتبر فريدمان أحد أنصار الليبرالية الكلاسيكية والتي تحولت في مرحلة لاحقة الى ما يعرف بالمذهب النيوليبرالي وهي وجهة النظر التي عبر عنها في كتابه بأن الأسواق الحرة سوف تساعد الدول والأفراد على المدى الطويل. وبان التدخل الحكومي في الأسواق يجب أن يكون محدودا و مقتصرا في الضرورة القصوى على حماية الدولة والشعب والتأكد من حماية العقود وتنفيذها.

قام فريدمان بتقسيم كتابه الى مقدمة, إثني عشرة فصلا وخاتمة. في كل فصل كان يتناول فكرة معينة مثل العلاقة بين الحرية الاقتصادية والحرية السياسية, دور الحكومة في المجتمعات الحرة, الرقابة الحكومية على النقود, النظم المالية والتجارية الدولية, السياسة المالية, دور الحكومة في التعليم, الرأسمالية والتمييز العنصري, الإحتكار والمسؤولية الإجتماعية لرجال الأعمال والنقابات العمالية, ترخيص مزاولة المهنة, توزيع الدخل, إجراءات الرفاهية الإجتماعية, تخفيف حدة الفقر, الخاتمة. 

يعتبر فريدمان أحد أبرز الإقتصاديين المعارضين للتدخل الحكومي في الأسواق حيث كان يرى أن على الحكومة أن لا تتحول الى وحش كاسر يقيِّدُ حرية مواطنية ويجعلهم مجرد عبيد. ويرى فريدمان من وجهة نظره أن التهديد الأكبر للحرية يكمن في تركيز السلطة بأيدي حفنة من السياسيين ممن يملكون سلطة اتخاذ القرار. الوظيفة الأساسية للحكومة كما يراها هي الحفاظ على القانون والنظام وتطبيق العقود الخاصة. الرأسمالية لا تحول دون الرفاهية الإقتصادية ولا تنمية الثروات الشخصية. لا يمكن التهرب من مسؤولية الفشل بإلقاء اللوم على السوق, المشكلة في التطبيق وليس في الآليات والأنظمة. مشكلة الحكومات أن تجبر المواطنين على التصرف ضد مصالحهم الخاصة في سبيل مصلحة عامة مفترضة.

قد نتفق أو نختلف مع وجهة نظر فريدمان المعارضة لتدخل الحكومة في شؤون الاقتصاد والسوق ولكن لا يختلف شخصان اثنان على أنه أحد أكثر الاقتصاديين تأثيرا في القرن العشرين حيث قدم نصائحه لعدد من الحكومات في الولايات المتحدة وفي أمريكا اللاتينية وحتى في الصين. لعب فريدمان ونظرياته حول التدخل الحكومي دورا محوريا في عملية التحول الاقتصادي من المدرسة الاقتصادية الكينزية الى المدرسة الاقتصادية الليبرالية التي شهدتها الولايات المتحدة وبريطانيا مع انتخاب رونالد ريغان رئيسا للولايات المتحدة حيث عمل مستشارا اقتصاديا, ومارغريت تاتشر رئيسة الوزراء البريطانية.

مع تمنياتي للجميع دوام الصحة والعافية

النهاية


Capital in the Twenty-First century

حقَّق الكاتب والإقتصادي الفرنسي توماس بيكيتي شهرة على مستوى الوطن العربي بعد ترجمة كتابه رأس المال في القرن الحادي والعشرين الى العربية سنة ٢٠١٧ وهو جهد مشكور لدار نشر التنوير والمترجمين وائل جمال وسلمى حسين. توماس بيكيتي الذي يوصف بأنه كارل ماركس القرن الحادي والعشرين هو اقتصادي فرنسي حاصل على شهادة الدكتوراه في الإقتصاد في سن صغيرة حيث بلغ ٢٢ عاما ونالت أطروحته حول توزيع الثروات جائزة أفضل أطروحة دكتوراه الممنوحة من طرف الجمعية الفرنسية للعلوم الإقتصادية. توماس بيكيتي شخصية معروفة في الولايات المتحدة وفي بلده الأم, فرنسا حيث أنه نال حظوة للتدريس في معهد ماساشوستس للتكنولوجيا ثم عمل في المركز الوطني للبحث العلمي في فرنسا ومدير مدرسة الدراسات العليا في العلوم الاجتماعية (EHESS). يشغل توماس بيكيتي كرسي الأستاذية في مدرسة باريس للاقتصاد التي أسسها بيكيتي لمنافسة مدرسة لندن للاقتصاد في المملكة المتحدة.

سنة ٢٠١٧, كان نصيب ١% من سكان العالم ما يعادل ٨٢% من الثروات في حين أن ٣.٧ مليار من سكان العالم وهم الأكثر فقرا لم يشهدوا أي زيادة على ثرواتهم. وقد إهتم بكيتي في كتابه بدراسة عدم المساواة من منظور تاريخي حيث عمل مع باحثين من أكثر من ٣٠ دولة في أكبر قاعدة بيانات تاريخية عن عدم المساواة في الدخل والثروة حيث غطت فترة زمنية تقارب ثلاثمائة سنة. ويمكن تلخيص الفكرة الرئيسية للكتاب بالمعادلة(r>g), العوائد على رأس المال(r) تزيد عن نسبة النمو الاقتصادي(g) مما سوف يؤدي الى زيادة تركيز الثروة بيد أشخاص قليلين, ١٠% من سكان العالم يملكون أكثر من ٥٠%-٦٠% من الثروات بينما تمتلك النخبة الأكثر ثراء ١% مانسبته ٤٠%-٥٠% من تلك الثروات أكثر مما تمتلكه نسبة ٩% الباقية. هناك دول مثل الولايات المتحدة حيث تزداد الهوة الطبقية ويتمتع الأثرياء بإعفاءات ضريبية ومعاملة تفضيلية بينما ينخفض مستوى الفروق الطبقية في دول مثل السويد, النرويج والدنمارك حيث يتم تطبيق الضريبة التصاعدية على الدخل التي يمكن أن تصل الى ٥٠%-٦٠%.

لا يكتفي توماس بيكيتي في كتابه بالحديث عن مشكلة تصاعد اللامساواة وزيادة تركيز الثروة في يد فئة قليلة من سكان الكرة الأرضية لا تتجاوز ١٠% تسيطر على ٥٠%-٦٠% من الثروات, ولكنه يقدم الحلول الواضحة والعملية التي يمكن تلخيصها في محورين رئيسيين: الأول هو إعادة العمل بنموذج دولة الرعاية الإجتماعية التي يتم العمل من خلالها على إعادة توزيع الثروات وتقليل الفروقات الطبقية من خلال الضريبة التصاعدية على الدخل, بينما الثاني هو فرض ضريبة عالمية على الثروة والتي يرى بيكيتي أنه لا يمكن نجاح ذلك دون اتفاق ترعاه الأمم المتحدة يتضمن نوعا من الحلول لمشكلة الملاذات الضريبية حيث يمتلك الأثرياء حسابات بنكية سرية غير خاضعة للضريبة ويقومون بإنشاء شركات في تلك الجزر الضريبية بحيث تجري عبرها عمليات تجارية لا يمكن تتبعها من قبل الهيئات المالية في بلدانهم الأصلية. أشهر تلك الملاذات الضريبية هي بنما, جزر العذراء وجزر كايمان التابعتان للتاج البريطاني. كما أنه هناك دول مثل سويسرا وليختنشتاين تتمتع فيها العمليات المصرفية بالسرية. إن حجم الأموال التي تضمها تلك الملاذات الضريبية التي يبلغ عددها حوالي ٥٠ يبلغ أكثر من ١٠ تريليون دولار, ٤٠٠ مؤسسة مصرفية ومليوني شركة تقريبا.

نشر توماس بيكيتي كتابه الذي وصف بأنه من أخطر الكتب في العالم باللغة الفرنسية لأول مرة سنة ٢٠١٣ وتمت ترجمته الى اللغة الإنجليزية من قبل دار النشر التابعة لجامعة هارفارد سنة ٢٠١٤ وإلى العربية سنة ٢٠١٧. وقد بيعت من الكتاب أكثر من ٥٠٠ ألف بنسخته الإنجليزية وحقق مبيعات إجمالية بلغت مليوني نسخة وهو رقم مرتفع بكل المعايير والمقاييس. كما أن الكتاب تلقى تقديرات ممتازة ومراجعات إيجابية من صحف عالمية مثل نيويورك تايمز, وول ستريت جورنال, يو إس توداي, صنداي تايمز, فاينانشال تايمز, الإيكونوميست, الواشنطن بوست, الغارديان وموقع شركة أمازون. عدد صفحات الكتاب يبلغ ٦٣٣ صفحة ولكنه يمتلئ بالجداول والرسوم البيانية التي تدعم وجهة نظر الكاتب وتثبت صحتها وتجعل القارئ لا يرغب في التوقف عن قراءة الكتاب والاستفادة من المعلومات التي تحتويها صفحاته.

مع تمنياتي للجميع دوام الصحة والعافية

النهاية


Against the Double Blackmail

يوصف سلافوي جيجيك بأنه أخطر فيلسوف سياسي في الغرب وأنه أكثر الفلاسفة المعاصرين شهرة وإثارة للجدل وأنه نجم الفلسفة المتمردة وأنه فيلسوف يرفض الحوار الفلسفي وفوضوي ماركسي وبأنه قادم من أدغال الثوريين القدامي. 

ولد سلافوي جيجيك بتاريخ ٢١/مارس/١٩٤٩ في العاصمة السلوفينية لوبلانا. أنهى دراسته الجامعية في جامعة لوبلانا وحصل منها على درجة جامعية في علم الاجتماع والفلسفة ثم درجة الدكتوراه في فنون الفلسفة ودرس التحليل النفسي في جامعة باريس الثامنة. عمل أستاذا زائرا في عدد من الجامعات الأمريكية والأوروبية منها جامعة شيكاغو, جامعة كولومبيا, جامعة برينستون, جامعة نيويورك وجامعة لندن. يتميز بغزارة كتاباته حيث قام بتأليف ٧٠ كتابا وعدد كبير من المقالات في صحف متعدد مثل صحيفة الغارديان. كما أنه يتميز بتعدد المواضيع والمسائل التي يتناولها في كتاباته مثل العولمة, البيئة, الرأسمالية, الأصولية واللاجئين. كتابه الذي إخترت أن أحدثكم عنه اليوم محوره قضية اللاجئين حيث يتناوله سلافوي بأسلوب فريد ومتميز بعيد كل البعد عن وجهات النظر التقليدية التي حصرت مسألة اللاجئين بأنها مسألة إنسانية بحتة بدون النظر بحيادية وموضوعية في العوامل التي أدت إلى ما يوصف في وسائل الإعلام بأنها  أكبر أزمة لاجئين في تاريخ العالم منذ الحرب العالمية الثانية.

"إنتهى زمن ميركل" ذلك هو العنوان الذي تصدر مقالا في صحيفة هاندلسبلات الألمانية حيث هناك توقعات في ألمانيا بعدم بقاء المستشارة أنجيلا ميركل على رأس الحكومة حتى موعد الانتخابات ٢٠٢١ على الرغم من إعلانها الإستقالة من رئاسة الحزب الديمقراطي المسيحي. والسبب هو قضية اللاجئين حيث أعلنت الترحيب بهم سنة ٢٠١٥ بما يشبه سياسة الباب المفتوح ودخل الأراضي الألمانية أكثر من مليون لاجئ. كما أن حزب ميركل خسر قدرته على تشكيل حكومة أغلبية إثر الإنتخابات التشريعية الأخيرة بسبب خسارته الكثير من الأصوات لصالح الأحزاب اليمينية والشعبوية فدفعه ذلك للتحالف مع أحزاب أخرى مثل الحزب البافاري, الشريك الأكبر في الائتلاف الحكومي, والذي هو نفسه قد خسر بسبب تحالفه مع حزب المستشارة الألمانية الكثير من الأصوات في انتخابات الولايات البافارية وحصل على أقل نسبة تصويت منذ ٦٠ عاما. الأحزاب الشعبوية واليمينية المتطرفة مثل حزب البديل الشعبوي المتطرف حصلت على أصوات الغاضبين من سياسة الترحيب باللاجئين التي أعلنتها ميركل وفاز حزب البديل لأول مرة في تاريخه من الفوز بمقاعد في البرلمان مما أدى الى زلزال سياسي في ألمانيا.

يتحدث جيجيك في كتابه عن مشكلة اللاجئين وأنها "الثمن الذي تدفعه البشرية من أجل الاقتصاد العالمي."  مشكلة نتجت عن إتساع اللامساواة وأنها جزء من المستقبل خصوصا مع دخول ظواهر الاحتباس الحراري والتغير المناخي دائرة اللاعودة بحسب بعض الآراء حيث سوف تصبح أماكن أخرى من العالم بقاعا غير صالحة للعيش بسبب إرتفاع درجات الحرارة. إن مشكلة اللاجئين بالنسبة للفيلسوف المشاكس هو نوع من الإبتزاز الأيديولوجي, مشكلة تحمل بعدا مزدوجا: سياسة إغلاق الحدود كما يطالب بعض السياسيين المحافظين ومؤيديهم ممن ينتمون للفكر الشعبوي المعادي للهجرة أو تركها مفتوحة على مصراعيها كما يطالب الليبراليون ومؤيديهم من المتعاطفين مع الهجرة والمهاجرين على الرغم من علمهم باستحالة تحقيق مطلبهم على أرض الواقع لأن ذلك سوف يؤدي الى إنتفاضة شعبوية وهو ما يتحقق في عدد من البلدان الأوروبية بل وفي الولايات المتحدة نفسها حيث وصل لسدة الحكم سياسيون من المعادين للهجرة والمهاجرين. وبالتالي, فإن جيجيك يصف موقف الليبراليين من قضية اللاجئين بالنفاق.

إن ردة الفعل في أوروبا على طوفان اللاجئين الأخير يمثل عددا من الخيارات تتراوح بين إنكار جدية المشكلة وأنها لا تشكل تهديدا, الغضب من التهديد الذي يشكله أولئك المهاجرون خصوصا تسلل عناصر أصولية عبر موجات الهجرة ممن لديهم ميول لإستخدام العنف لتحقيق أهدافها, الموافقة مع التحفظ وذلك من خلال المطالبة بتقنين اللجوء عبر تحديد أعداد اللاجئين, ومشاعر اليأس بأن أوروبا قد ضاعت وسوف تتحول قريبا الى أوروبستان أو أوروبيا(Europstan or Europia). ولكن ينقصها بحسب رؤية  الفيلسوف والمفكر السلوفيني القبول بالأمر الواقع وبالتالي إيجاد الحلول على مستوى أوروبا للتعامل مع قضية حساسة تهدد الهوية الأوروبية وقيم الحضارة الأوروبية لأن أولئك اللاجئين لن يتكيفوا مع تلك القيم وبدلا من ذلك يحاولون مدفوعين أيديولوجيا دينية لفرض ثقافتهم الخاصة عبر عملية تغيير شامل وممنهج للمبادئ والقوانين الأوروبية.

يتسائل جيجيك في كتابه عن المبررات التي قدمتها المستشارة ميركل عندما أعلنت في خطبتها سنة ٢٠١٦ الترحيب بمئات الآلاف من اللاجئين للقدوم الى ألمانيا, وهل قامت باستشارة الشعب الألماني والحصول على موافقة شعبية على خطتها؟ إن إستقبال مئات الآلاف من الأشخاص المختلفين عرقيا وثقافيا الى ألمانيا بما يهدد بتغيير المجتمع والثقافة الألمانيتين بشكل جذري وبدون الأخذ في الإعتبار للآراء المعارضة بحسب ما تقتضيه المبادئ الديمقراطية يعتبر عملا خاطئأً. ولكن السياسيين بشكل عام لا يهتمون لآراء الناخبين. مفوضة التجارة في الاتحاد الأوروبي سيسيليا مالمستروم(Cecilia Malmström) ردت ببرود على الأسئلة الموجهة لها بخصوص الموافقة على اتفاقية الشراكة التجارية والاستثمارية العابرة للأطلسي على الرغم من المعارضة الشعبية, بأنها لا تستمد سلطاتها من المواطنين الأوروبيين"I do not take my mandate from the European people."*

وفي ختام الموضوع, إن قراءة كتاب "ضد المعايير المزدوجة(Against the Double Blackmail)" للمؤلف و الفيلسوف سلافوي جيجيك تضيف بعدا آخر لرؤيتنا لمشاكل العالم والكيفية التي نفهم بها تلك المشاكل ونتعامل معها, أزمة اللاجئين هي أحد تلك المشاكل المزمنة التي تناولها جيجيك في كتابه. ولقد حاولت تناول الكتاب باختصار تاركا للقارئ والمهتم بتلك النوعية من الكتب مطالعة الكتاب بنفسه حتى لا أفسد عليه عنصر المفاجأة المتمثل بما يحتويه ذلك الكتاب من أفكار وآراء قد تمثل صدمة لمن يقرئها أول مرة بسبب ابتعاد الكاتب عن التقليد والنمطية وتفرده في طريقة التحليل والبحث. أنصح بقراءة ذلك الكتاب فهو قد نال الاستحسان وتلقى الكثير من التقديرات الإيجابية والنقد الإيجابي على مستوى العالم.

مع تمنياتي للجميع دوام الصحة والعافية

النهاية









After America, Get Ready for the Armageddon

يعتبر الكاتب الكندي المقيم في الولايات المتحدة مارك ستاين أحد أكثر الكتاب المنتمين الى اليمين المحافظ شهرة وتطرفا في وجهات النظر التي يقدمها لقرائه ومتابعيه. يتميز مارك بأسلوب النقدي الذي يمزج السخرية والهزلية مع إستخدامه اللغة الإنجليزية العامية بطريقة تجعله متميزا ولكن في الوقت نفسه, تجعل مهمة فهم محتوى كتاباته تحدِّيا للقارئ الذي تعتبر اللغة الإنجليزية ليست لغته الأم.

المعركة الفاصلة بين الخير والشر والتي يطلق عليها في الأساطير الدينية (أرماغيدون) هي التي اختارها مارك عنوانا لكتابه الذي يحاول فيه التحذير من العواقب التي تواجهها الولايات المتحدة في حال استمرت في العمل وفق النموذج الذي ينتقده مارك واليمينيون المحافظون بإستمرار. على الولايات المتحدة أن تقوم بتغيير مسارها وإلا فإنها سوف تواجه الهزيمة والإنهيار الكاملة في معركتها من أجل البقاء. يمثَِل مارك وجهة نظر اليمين الأمريكي المحافظ الذي يرفض تدخُّل الدولة في الأسواق ويدعو الى تحرير القطاع المالي والمصرفي من القوانين التي تقيّد عمله, خصخصة قطاع التعليم الحكومي, يعارض تقديم الدولة الخدمات الصحية المجانية للمواطنين وينتقد مزايا التي تقدمها أنظمة الرعاية الاجتماعية والتقاعد التي يعتبرها اليمينيون المحافظون سخية وتؤدي الى نتائج عكسية.

سنة ١٩٧٩, كان عدد الأمريكيين الذين يتلقون إعانة حكومية بطريقة أو بأخرى يبلغ ٧% بينما إرتفع ذلك العدد سنة ٢٠٠٩ الى ٣٠%. سنة ٢٠٠٠, كان عدد الأمريكيين الذين يعتمدون على القسائم الغذائية(Food Stamp) يبلغ ١٧ مليون مواطن أمريكي, سنة ٢٠٠٩ بلغ العدد ٤٦ مليون. خلال السنوات الثلاث الأولى من حكم الرئيس باراك أوباما, تمكن ٢.٦ مليون أمريكي من شغل وظائف جديدة ولكن في الوقت نفسه, تقدَّم ٣.١ مليون شخص للحصول على الإعانات المخصصة للغير قادرين على العمل(Social Disability). سنة ٢٠١٢, أعلن مكتب الإحصاء أن ٢٠% من الأمريكيين يصنفون على أنهم غير قادرين على العمل بسبب عاهة جسدية أو عقلية مثل مرض نفسي يجعلهم غير قادرين على التواصل مع الآخرين. حكومة الولايات المتحدة وحتى حكومات الدول السبعة(G-7) هم مدمنين على الإنفاق(Spendaholic) وهو مصطلح يستخدمه مارك بكثرة.

كما يعتبر مارك أن عملية الإصلاح المالي في الولايات المتحدة لا يمكن أن تتم عبر قوانين الإصلاح الضريبي بفرض المزيد من الضرائب على الأثرياء بل بتقليص الإنفاق الغير ضروري الذي يعتبر أحد أعراض الحكومات المتضخمة حيث يدعو مارك الى تقليص حجم الكادر الحكومي الذي يعتبره سببا من أسباب انحسار القوة الأمريكية. يتحدث مارك عن قوانين الإصلاح الضريبي التي تم إقرارها خلال السنوات الأولى من حكم الرئيس باراك أوباما حيث من المتوقع أن يتم جمع ٣.٢ مليار دولار سنويا زيادة في العائدات الضريبية. ولكن حجم العجز في الإنفاق الحكومي يبلغ ١٨٨ مليون دولار في الساعة, مبلغ ٣.٢ مليار دولار يغطي ١٧ ساعة فقط من عجز الإنفاق. الرئيس الأمريكي السابق ذكر في خطابه عن حالة الإتحاد أن كبار الأثرياء الأمريكيين يدفعون ضرائب أقل من مدراء مكاتبهم, أحد هؤلاء هو ثالث أغنى شخص في العالم المستثمر المشهور وارن بافيت.

هناك الكثير من المعلومات الذي ذكرها مارك ستاين عن الولايات المتحدة في كتابه والتي شرح من خلالها وجهة نظره المتشائمة نوعا ما حول المستقبل الاقتصادي للولايات المتحدة. وقد تفاجأت بتلك المعلومات التي أقرئها لأول مرة خصوصا أن مارك يتميز بأسلوبه الساخر وإتقانه الكتابة وأسلوبه المتميز. 

وبعيدا عن كتابات مارك الأخرى التي ينتقد فيها العرب ويحذر من الهجرة الإسلامية الى أوروبا, سوف أقوم بتقديم وجهة نظر نقدية مختصرة للكتاب وهو الذي لم أعتد القيام به ولكن للضرورة أحكام. الشركات الأمريكية الكبرى هي المسؤولة عن تردي أوضاع العاملين في الولايات المتحدة وزيادة نسبة البطالة حيث تضغط بشكل دائم لتخفيض أجور العمال وتستخدم نفوذها عبر لوبيات الضغط وأعضاء في الهيئات التشريعية لمنع تمرير قوانين زيادة الحد الأدنى من الأجور. على سبيل المثال فإن نسبة كبيرة من موظفي شركة وول مارت الذين يعملون بدوام كامل مؤهلين للحصول على القسائم الغذائية والتي بدونها سوف يكونون عاجزين عن تأمين طعامهم أو دفع فواتيرهم. شركة وول مارت التي تعلن باستمرار عن تخفيضات في الأسعار ولكن ذلك يكون على حساب صغار الموظفين وأجورهم التي تتقلص باستمرار. شركات الأطعمة السريعة مثل ماكدونالدز وكنتاكي تدفع الحد الأدنى للأجور لموظفيها حيث يجبرهم ذلك على الإعتماد بطريقة أو بأخرى على الدعم الحكومي سواء عبر قسائم الغذاء أو مساعدات مالية أو سكن مدعوم حكوميا. في كندا, فروع شركة تيم هورتنز في ولاية أونتاريو المملوكة لأبناء وأفراد من أسرة مؤسس الشركة أعلنت تقليص إمتيازات الموظفين وخطة تسريح عمال وتقليص ساعات العمل بسبب إقرار الحكومة المحلية مشروع قانون رفع الحد الأدني للأجور تدريجيا الى ١٥ دولار/ساعة.  مارك ستاين مثله غيره ممن ينتمون فكريا وسياسيا لليمين المحافظ يلقون باللائمة على الفقراء ومحدودي الدخل بينما يتجنبون الحديث عن دور الشركات الاستغلالي.

هناك الكثير مما يمكن قرائته في ذلك الكتاب حيث أنه من المؤسف أنه لم تتم ترجمته الى اللغة العربية ولكنه متوفر على موقع شركة أمازون وغيرها من شركات النشر ودور الطباعة حيث يمكن شراء نسخة إلكترونية أو توصيل نسخة مطبوعة الى عنوان الشخص الراغب في شراء الكتاب.

مع تمنياتي للجميع دوام الصحة والعافية

النهاية


الحرب عبارة عن خدعة(War is A Racket)

كان سميدلي دارلنجتون بتلر(١٨٨١-١٩٤٠) أكثر ضباط الجيش الأمريكي حصولا على الأوسمة بلغ عددها ١٦ وساما خمسة منها للأعمال البطولية وكان واحدا من ...