Flag Counter

Flag Counter

Monday, May 9, 2022

تعلومُهُم

كتاب اليوم هو أحد الكتب التي توصف بأنها مؤثرة أو (Game Changer) في اللغة الإنجليزية, كتاب يصف حالة مستعصية في الوطن العربي حيث وأنه رغم كل الخبرات والأموال التي أنفقت في مجال التعليم, إلا أن المستوى مازال مستمرا في الإنحدار منذ نهاية سبعينيات القرن العشرين. عزام بن محمد الدخيل هو شخصية سعودية مرموقة يقل نظيرها في وطنه وفي الوطن العربي حيث تلقى تعليمه في السعودية, الولايات المتحدة وبريطانيا وتولى عددا من المناصب الحكومية منها وزير للتربية والتعليم(يناير/٢٠١٥-ديسمبر/٢٠١٥) واكتسب خبرات وتجارب من خلال سفره المتكرر للخارج خصوصا في مجال التعليم. كتاب "تعلومُهُم" هو ثمرة تلك الخبرات والتجارب.

يعتبر الكاتب من وجهة نظره أن محاولة استنساخ تجربة تعليمية من دولة أخرى ونقلها بحذافيرها وتطبيقها سواء في السعودية أو أي بلد عربي آخر هو ضرب من العبثية وهدر للوقت والموارد. إن إختلاف البيئة الحاضنة التي يتم من خلالها تطبيق أي تجربة تعليمية سوف يختلف باختلاف الزمان والمكان والظروف التي تحكم عمل تلك البيئة وتؤثر عليها سواء ظروف إقتصادية أو سياسية. إن ما قد يكون ناجحا في بيئة ما سوف يتعرض للفشل في بيئة أخرى حتى لو تقاربت الظروف الزمانية والمكانية وتشابهت البيئات الحاضنة لتلك التجربة.

الكتاب يستعرض تجارب تعليمية في عشرة دول هي: فنلندا, كوريا الجنوبية, هونغ كونغ, اليابان, سنغافورة, المملكة المتحدة, هولندا, نيوزيلندا, سويسرا وكندا وذلك بالرجوع الى مؤشر بيرسون لعام ٢٠١٤ كما ذكر في مقدمة الطبعة الثالثة. ولقد لفت نظري على عدم شمول اليابان في مؤشر بيرسون رغم إمتلاكها نظاما تعليميا متقدما غاية في الصرامة والانضباط. ولكن ذلك لا يلغي تقدم اليابان في مجال التعليم الذي إنعكس على مختلف جوانب النمو في تلك الدولة الآسيوية الفقيرة بالموارد خصوصا النفط ولكنها غنية بعقول أبنائها وطاقاتها البشرية.

هناك ثلاثة دول من الدول التي تحدث عنها عزام الدخيل في كتابه لديها تجربة ناجحة ومبهرة في مجال التعليم تعتبر ملفتة للنظر وتستحق المزيد من الدراسة والتمحيص من خبراء التعليم في الوطن العربي. تلك الدول الثلاثة هي: كوريا الجنوبية, فنلندا وسنغافورة. إن تجارب تلك الدول لافتة للنظر لأنها دول تعتبر فقيرة بالموارد الطبيعية والتي يأتي النفط على رأسها وأكثرها أهمية ولكنها رغم ذلك, ورغم الظروف السياسية التي مرت بها, فقد استثمرت في الإنسان وحصدت ثمار ذلك.

دولة كوريا الجنوبية كانت تعاني اضطرابات سياسية ظروفا اقتصادية بالغة الصعوبة بسبب الحرب العالمية الثانية والحرب الكورية وما يطلق عليه, الحرب الباردة. بعد إنتهاء الحرب الكورية, عملت حكومة كوريا الجنوبية على برنامج تعليمي يهدف إلى محو الأمية نهائيا, كانت تبلغ 80% في السابق, وإدماج مناهج التحليل والتفكير المنطقي في المدارس وزيادة مستوى التنافسية وذلك من صميم الثقافة الكورية التي تتطلب العمل المستمر والثقة بالنفس وتحقيق النجاح رغم كل الظروف والضغوطات, لا مبرر للفشل. خلال أقل من ٣٠ سنة(١٩٧٥-٢٠١٢) تضاعفت ميزانية التعليم في كوريا الجنوبية ١٥٥ ضعفا من  ٣٠٠ مليون دولار الى ٤٧ مليار دولار, رقم مذهل وفق كل المعايير مع الأخذ في الإعتبار أن التعليم حتى نهاية المرحلة الثانوية مجاني وعدد الطلاب في مراحله المختلفة ١١ مليون طالب, أما التعليم الجامعي فهو مقابل رسوم وأقساط دراسية. ينقل عن خبير جودة التعليم في كوريا الجنوبية دكتور فيكتور شيا:"لا يوجد دولة تتحمل إنتاج جيل كامل دون تعليم جيد, فهذا الجيل سيدمر الدولة داخليا حتى تتفتَّت وتفقد وجودها. الشرق الأوسط أهمل التعليم والآن يدفع الثمن"

فنلندا هي إحدى الدول الإسكندنافية التي تتميز بأن لديها شتاء طويل شديد البرودة ولكن ذلك لايعني توقف عجلة الإنتاج والتنمية والأهم, التعليم. اليوم الدراسي في فلسفة التعليم في فنلندا يعتبر فرصة لاكتساب مهارات دراسية واجتماعية وتلك عملية مستمرة داخل الفصل الدراسي وخارجه. يعتبر دور المدرسة في فنلندا حيويا وأساسيا في تكوين شخصية الفرد ولا يكون محصورا في العملية التعليمية. بالإضافة الى أن النظام التعليمي في فنلندا يلاحظ الفروقات الفردية بين الطلاب(مهارات) ويعمل على تشجيعها وتنميتها بما يخدم مصلحة الطالب ودوره في المجتمع. اليوم الدراسي في فنلندا قصير مقارنة ببقية الدول مثل كوريا الجنوبية أو كندا واليابان ويكون مليئا بنشاطات خارجية متعددة ولا يكون محصورا في الفصول الدراسية التقليدية. الطالب الفنلندي مطالب بتعلم لغات عديدة خصوصا الإنجليزية حيث أن اللغة الفنلندية تعتبر لغة محلية في إطار الدول الإسكندنافية وأن تقدم وتطور فنلندا يعتمد على قدرتها على مخاطبة العالم بلغاته المختلفة.

سنغافورة كانت حتى وقت ليس ببعيد جزأً من ماليزيا ولكن البرلمان الماليزي صوَّتَ سنة 1956 على طردها من الإتحاد الماليزي حيث أعلن برلمان سنغافورة بعجها بساعات الإستقلال, يوسف بن إسحاق تولى منصب الرئيس بينما أصبح لي كوان يو, باني نهضة سنغافورة الحديثة أول رئيس للوزراء. لي كوان يو أولى اهتماما غير مسبوق للتعليم بدلا من إنفاق الأموال الطائلة على شراء السلاح, كان التعليم له الأولوية, التعليم هو سر نجاح سنغافورة وتحولها من دولة فقيرة ومَدِينة الى أحد أسرع اقتصادات العالم نموا. سنغافورة نجحت في أن تشغل رابع أهم مركز مالي في العالم ومرفأ سنغافورة يعتبر خامس مرفأ في العالم من ناحية النشاط.

كتاب "تعلومُهُم" هو أحد أفضل الكتب التي قرأتها في مجال التعليم إن لم يكن أفضلها على الإطلاق. ولقد حاولت في هذا الموضوع أن أقدِّم ملخصا عن الكتاب وصورة إجمالية عن التعليم في ثلاثة دول تحدث عنها عزام الدخيل في كتابه وأتمنى أن أكون قد وفقت في ذلك وإن كنت قد إستعنت بمصادر وإحصائيات من خارج الكتاب, إلا أن ذلك لايغير من الهدف الرئيسي للموضوع, تقديم أحد أفضل الكتب في مجال التعليم إلى القارئ العربي وتشجيعه على قرائته والاستفادة منه.

مع تمنياتي للجميع دوام الصحة والعافية

النهاية



No comments:

Post a Comment

الحرب عبارة عن خدعة(War is A Racket)

كان سميدلي دارلنجتون بتلر(١٨٨١-١٩٤٠) أكثر ضباط الجيش الأمريكي حصولا على الأوسمة بلغ عددها ١٦ وساما خمسة منها للأعمال البطولية وكان واحدا من ...