هناك مجموعة من النقاط المضيئة التي تميز الكاتب والمثقف الفلسطيني إدوارد سعيد والتي تجعل من آرائه وكتاباته خصوصا كتاب "الاستشراق" لاغنى عنها لأي باحث أو حتى مجرد شخص مهتم بالقرائة والبحث في أحد الأصول التي اعتمد عليها الاستعمار الغربي في تقديمه مبررات أخلاقية من أجل تواجده في بلدان الوطن العربي. إدوارد سعيد وعلى الرغم من وفاته سنة 2003 يعتبر أهم مفكر عربي وأحد أهم المفكرين في العالم والذي شغل طوال حياته مكانة بارزة بين الباحثين والأدباء الغربيين. كما أنه خاض معارك فكرية وأدبية أثناء إقامته في الولايات المتحدة دفاعا عن وجهة نظره حيث انتقد نظرية صراع الحضارات التي عبر عنها المفكر الأمريكي صامويل هنتنجتون وانتقد المستشرق الأمريكي-اليهودي برنارد لويس وإعتبر أنه مارس الخطأ الذي قام به كثيرون من قبله حيث انحرف مفهوم الاستشراق من مجاله البحثي الى توظيفه في أغراض سياسية. وفي الولايات المتحدة حيث كان يقوم بالتدريس في جامعة كولومبيا, تعرض الى حملة إعلامية طالبت بفصله من عمله بتهمة معاداة السامية بسبب آرائه المؤيدة للقضية الفلسطينية. وقد فشلت الحملة ورفض رئيس جامعة كولومبيا الاستجابة للضغوطات ووصف إدوارد سعيد بأنه "عملاق متميز في حقله··إنه واحد من أعظم المثقفين في الإنسانيات على مستوى العالم." إدوارد سعيد الإنسان تجاوز كافة العوائق الثقافية والتقاليد البالية في كتاباته حيث أنه ينتمي الى النخبة المسيحية في فلسطين ورغم ذلك دافع عن العرب والإسلام وعارض الإستعمار وفضح الأساليب المقيتة والعنصرية التي إستخدمها ومازال في التحكم في منطقة الوطن العربي وشعوبها.
وقد أكَّد إدوارد سعيد في كتابه على وجهة نظره بأن أن الشرق ليس موجودا إلاّ في أحلام المستشرقين الغربيين انطلاقا من القرن الثامن عشر. كما أن الدراسات التي أنجزت حول الشرق لم يكن لها وإنما كانت ذات أهداف وغايات إستعمارية وليس ثقافية أو حضارية وتم إستخدامها من أجل تبرير الجرائم التي كان الغرب ينوي ارتكابها في العالم العربي انطلاقا من بداية القرن التاسع عشر. كما عبَّرَ إدوارد سعيد عن عدم تفائله من حدوث حالة مصالحة وتوافق بين الشرق والغرب حيث يزداد الوضع سوءا يوما بعد آخر. العالم الإسلامي بالنسبة الى المواطن الأمريكي الشمالي هو بالنسبة إليه بعيد، وصحراوي, فيه عدد كبير من الخرفان والإبل وأناس بسكاكين بين أسنانهم يقومون بأعمال إرهابية. أما من الناحية الأخرى, الصورة النمطية للأمريكي في المخيلة الإسلامية أنه شخص مهووس بالجنس وتعاطي المخدرات والمبالغة في الأكل. النتيجة هي الفراغ بدلا من الحضور والتفاعل البشري حيث لايمكن الوصول الى حالة من التوافق نتيجة تبادل الآراء والخبرات المختلفة. ولكن إدوارد سعيد يرى أنه لابد من مواصلة الحوار ورأب الصدع بين المعسكر الإسلامي-العربي والغربي وتقليص هوة الخلافات بينهما لأن ذلك هو الضمان للسلام العالمي.
لقد نجح إدوارد سعيد نجح من خلال آرائه التي عبَّرَ عنها في كتاب "الاستشراق" من قلب الطاولة على المدرسة الأمريكية والغربية الإستشراقية التي كان أشخاص مثل برنارد لويس, صاموئيل هانتنغتون وفرانسيس فوكوياما من رموزها بل ومن نخبة المفكرين والباحثين التاريخيين ومن يوصفون بقادة الفكر الإستراتيجي في الولايات المتحدة. ولكن أحداث 11 سبتمبر الإرهابية ساهمت في إعادة بعث أفكارهم التي تنظر إلى العالم من وجهة نظرالإمبراطورية الأميركية بعد أن تبنت النخب السياسية والمسؤولين في مراكز صنع القرار تلك الأفكار وقامت بالترويج لها معاهد التفكير والأبحاث في دول غربية متعددة. إن مفاهيم الإسلاموفوبيا ورهاب الأجانب هي ثمرة تلك النوعية من الأفكار ذات الصبغة العنصرية التي ساهمت في ترسيخ الصورة النمطية للعرب والمسلمين في دول الغرب واستغلال ذلك من أجل خلق حالة من عدم الاستقرار والفوضى واستخدام مصطلحات براقة مثل الحرية والديمقراطية في سبيل ذلك.
مع تمنياتي للجميع دوام الصحة والعافية
النهاية
No comments:
Post a Comment