كتاب اليوم لم يكن مؤلفه إلا غاندي نفسه. إنها سيرة حياة المحامي والمناضل واللاعنف وبطل إستقلال الهند موهانداس كرمشاند غاندي حيث قدَّم للكتاب المؤلف والكاتب الكندي من أصول هندية M.G. Vassanji. وقد قامت دار نشر هنداوي للنشر مشكورة بترجمة الكتاب الى اللغة العربي تحت عنوان "غاندي السيرة الذاتية: قصة تجاربي مع الحقيقة." لقد كان المهاتما يبلغ من العمر ٥٦ عاما حين طبعت سيرته الذاتية أول مرة. وقد عاش بعدها ٢٣ عاما من الانتصارات والهزائم. كتاب اليوم ليس مجرد سيرة ذاتية تعتمد أسلوبا سرديا معتادا بل هي أشبه بالاعتراف, فحص ونقد ذاتي لأفكاره وتجاربه في الحياة.
لقد تعرضت سيرة الزعيم الروحي الهندي وبطل إستقلال الهند المهاتما غاندي الى الكثير من التشويه والتحريف خصوصا اتهامه بالخيانة والعنصرية وأنه ضد المسلمين وكتاب أصدره مؤرخ بريطاني عن حياته الجنسية وأنه كان منحرفا جنسيا. ولكن كما قال الإمبراطور الفرنسي نابليون بونابرت:"التاريخ هو مجموعة من الأكاذيب المتفق عليها," مصدر تلك الأكاذيب هم أشخاص ينشرون تلك الدعاية المضللة لأهداف سياسية. ولكن حتى أكون منصفا, غاندي لم يكن ملاكا بل كان مناضلا وطنيا يسعى الى استقلال بلاده والتعامل مع المستعمر البريطاني الذي كان يضع العقبات في طريقه. وقد كان من المستحيل أن تكون مسيرة الهند نحو الإستقلال خالية من الأشواك. يحاول البعض تصوير غاندي على أنه لم يكن مثاليا من الناحية الأخلاقية وكأن أبطال التحرير والإستقلال يتوجب عليهم أن يتمتعوا بأخلاق الأنبياء. ولو قبلنا الذريعة التي يقدمها خصوم غاندي ومن يحاولون تشويه سيرته أنه خدم مصالح الإستعمار البريطاني في الهند وأنه كان يخشى من المسلمين من أن ينفصلوا عن الهند في دولة مستقلة وأنه بسبب ذلك يتم الترويج له في وسائل الإعلام من سينما وتلفاز وصحف وغيرها, لقبلنا تلك الذريعة عليهم هم أنفسهم لأنهم يظهرون في وسائل الإعلام المختلفة بإستمرار لأنهم يخدمون أجندات الدول الغربية وغاياتها وأهدافها الاستعمارية في الوطن العربي والعالم.
لقد تبنى غاندي الدعوة الى المقاومة السلمية وكان من أوائل من دعا الى ثقافة اللاعنف. كما أنه تبنى موقفا معارضا لنظام الطبقات الذي رسخته بريطانيا وحافظت عليه, ناصر غاندي طائفة المنبوذين في الهند. دعا في السنوات الأخيرة من حياته الهندوسيين في الهند الى احترام أتباع الديانات الأخرى خصوصا الإسلام مما أدى الى توجيه اتهامات إليه بالخيانة وأدى ذلك في النهاية الى اغتياله لأنه كان متعاطفا مع المسلمين في باكستان رغم قيامهم بالانفصال عن الوطن الأم في الهند.
وُلِد موهانداس كرمشاند غاندي بتاريخ ٢/١٠/١٨٦٩ في مدينة بوربندر الواقعة في مقاطعة كجرات، حيث تقع بين مدينة السند، ومدينة بومبي في الهند. كان والده رئيس وزراء ولاية بوربندر ومن قبله جدَّه. والدة غاندي بوتليباي كانت امرأة متدينة منتظمة في ممارسة طقوس الصيام حيث نشأ غاندي عابدًا للإله الهندوسي فيشنو وكان من أتباع الجاينية، وهي ديانة هندية قديمة تتبنى مبادئ اللاعنف والصيام والتأمل واعتماد أنظمة غذائية نباتية.
كان ارتحال غاندي الى جنوب إفريقيا من أجل ممارسة مهنة المحاماة بعد أن إنتهى من دراستها في العاصمة البريطانية محطة مهمة في حياته وتكوين شخصيته النضالية. في لندن, أصبح شخصا نباتيا حيث تحول ذلك بالنسبة إليه الى نوع من الإيمان حيث تعلمه الإلتزام والإنضباط. ولكن في جنوب إفريقيا, صقلت تجربة غاندي في الحياة حيث بدأ تكون الروح النضالية لديه بعدما رأي التمييز الذي يعاني منه المهاجرون الهنود وخاض أول مواجهة له مع السلطات حين رفض خلع عمامته الهندي في قاعة المحكمة حيث كان يترافع في أول قضية يتولاها منذ وصوله. اللحظة الفاصلة في حياة غاندي كانت بعد أيام من تلك الحادثة وحيث أنه في السابع من حزيران/ يونيو عام ١٨٩٣ وأثناء رحلة في القطار الى بريتوريا, اعترض رجل أبيض على ركوبه في مقصورة الدرجة الأولى على الرغم من حمله تذكرة. وعندما رفض غاندي الإنتقال الى مقصورة أقل درجة, سحب بالقوة وألقي من على القطار في محطة في بیتر ماریتزبرج وأيقظ ذلك في نفسه روح العصيان المدني والمقاومة السلمية.
عاد غاندي الى الهند سنة ١٩١٥ ليبدأ مرحلة جديدة من النضال حيث قاد حملة عصيان مدني سنة ١٩١٩ بسبب قانون جديد يسمح بسجن المتهمين بالتحريض بدون محاكمة وكانت مذبحة مذبحة أمریتسار حيث قتلت القوات البريطانية أكثر من ٤٠٠ مواطن هندي وجرحت مئات آخرين خرجوا في تظاهرة احتجاج سلمية. وعلى إثر تلك المذبحة, دعا غاندي الى حملة عصيان مدني شامل حيث دعا الموظفين الحكوميين الى التوقف عن العمل لصالح التاج البريطاني, الطلاب الى التوقف عن الذهاب الى المدارس الحكومية, الجنود الى مغادرة مواقعهم والمواطنين الى التوقف عن دفع الضرائب وشراء السلع البريطانية.
منحت الهند استقلالها بتاريخ ١٥/أغسطس/١٩٤٧ ولكن ليس بدون ثمن حيث أدى ذلك الى تقسيم الهند و إستقلال باكستان و إندلاع إشتباكات طائفية دموية بين المسلمين والهندوس ازدادت حدتها فقام غاندي بزيارة الى مناطق الاضطرابات و سعى لإنهائها و صام في سبيل ذلك. ولكن بعض الهندوس اتهموه بالخيانة بسبب اعتباره متعاطفا مع المسلمين. وبعد عصر يوم ٣٠/كانون الثاني/ يناير عام ١٩٤٨, قام هندوسي متعصب يدعى ناتهورام غودسي بإطلاق النار على غاندي أثناء خروجه من منزله في بيرلا هاوس في نيو دلهي الى تجمع للصلاة والتأمل فأرداه قتيلا. لقد انطفأت شعلة النضال في الهند ولكن سيرته بقيت حية في ذاكرة مواطنيه وفي ذاكرة جميع المضطهدين حول العالم.
مع تمنياتي للجميع دوام الصحة والعافية
النهاية
No comments:
Post a Comment