كتاب اليوم يقدِّمُ وجهة نظر مختلفة وغير تقليدية حول صحتنا ونظامنا الغذائي. إنَّ قرائتي لذلك الكتاب والحديث عنه هي من أجل تقديم تنوع في الآراء حيث لا تقتصر المدونة على عرض وجهة نظر واحدة في أحد المواضيع الأكثر أهمية وحساسية والتي لها علاقة مستمرة بحياة الإنسان. في الموضوع السابق تحدَّثت عن كتاب "The Food Revolution" ومؤلفه جون روبنز وريث عائلة باسكن روبنز التي تمتلك العلامة التجارية الأكثر شهرة في مجال صناعة المثلجات والآيس كريم. جون روبنز تخلى عن أعمال العائلة وتحوَّلَ الى ناشط بيئي يمتنع تماما عن أكل اللحوم وأي منتجات حيوانية(Vegan). كتاب اليوم على العكس تماما حيث تتحدث الكاتبة والمؤلفة (Nina Teicholz) عن الحمية الغذائية التي تعتمد فيها على أكل اللحوم, الزبدة والاجبان وفوائدها على صحة الإنسان.
إنَّ وجهة نظري ورأي الشخصي في مسألة الصحة العامة والتغذية هي أننا نفتقد التوازن في حياتنا وفي عاداتنا اليومية. القضية ليست أكل اللحوم أو الإمتناع عن تناولها أو الإعتماد على الحمية الغذائية النباتية أو تناول البيض أو الإمتناع عن ذلك بل عدم الإفراط والتخلي عن نمط حياة استهلاكي. كوكب الأرض قادر على إطعام العدد المتزايد من السكان وذلك مع اعتماد التقنيات الحديثة في الزراعة وعدم البناء على الأراضي الزراعية واستصلاح مساحات شاسعة من الأراضي الغير مستغلة. الصين دولة لديها تجارب رائدة في مجال الزراعة لأن الإشتراكية الصينية في أساسها إعتمدت على الفلاحين حيث أنَّ الصين لم تكن بلدا صناعيا. التجارب الزراعية في الصين نجحت وبكفاءة عالية في تحويل مساحات من الصحراء الى أراضي صالحة للزراعة.
إن سكان المناطق المتجمدة من عرقية الأسكيمو(Inuit) يعتمدون في حميتهم الغذائية على الأسماك, حيوانات الرنة والفقمة حيث يعتبرون الأجزاء التي تحتوي على الدهون هي الأكثر قيمة بالنسبة إليهم. وكما كان الرحالة الأوروبيون الأوائل الذين قاموا بزيارة تلك الأماكن أنه وبسبب أسلوب ونمط حياة سكان المناطق المتجمدة الذين يعيشون لأشهر طويلة في الظلام وفي برد الشتاء القارس بدون أي عمل يقومون به, فقد تفاجئوا وأنه على الرغم من ذلك فقد وجدوهم في أفضل صحة ولياقة بدنية. التجارب التي تمت لاحقا على سكان الأسكيمو وجدت أنَّ أمراض القلب والأمراض المرتبطة بزيادة إستهلاك الدهون خصوصا المشبعة تعتبر شبه منعدمة أو غير موجودة بينهم. ولكن عددا من سكان الأسكيمو الذين تم إطعامهم حمية غذائية تعتمد على المنتجات المصنَّعة, الوجبات السريعة, اللحوم الحمراء والمعلبات قد ظهرت لديهم أمراض القلب والشرايين بنسب مرتفعة.
الكاتبة تحدَّثت أيضا في كتابها عن عرقية الماساي وهي مجموعة قبائل تتواجد في القارة الأفريقية وبشكل رئيسي في دول مثل كينيا وجنوب أفريقيا حيث يتميز أفرادها بطول القامة ويعملون بشكل رئيسي في الرعي. إنَّ أفراد قبائل الماساي يعتمدون في حميتهم الغذائية على أطعمة مشبعة بالدهون مثل اللحوم ويشربون حليب الأبقار بل ودمائها بينما يعتبرون أنَّ الخضراوات والفواكه هي طعام مناسب للأبقار. إنَّ أفراد قبائل الماساي يعانون من فرط الوزن وأمراض ضغط الدم بنسبة تقل ٥٠% عن تلك التي في الولايات المتحدة. كما أن تلك النسب لا تزداد مع التقدم في العمر بل تبقى ثابتة. أمراض القلب غير موجودة في قبائل الماساي التي يتوفى أفرادها الكبار في السن وفاة طبيعية ويندر للغاية أن تكون وفاة أحدهم بسبب ذبحة صدرية أو أي من الأمراض المرتبطة بالقلب.
هنا الكثير من المعلومات المفيدة في الكتاب والتي قد تقرائها البعض لأول مرَّة. الخلاصة التي توصَّلتُ اليها بعد إنتهائي من قرائة الكتاب هي أنَّ الإستثنائية التي يتمتع بها سكان الإسكيمو أو قبائل الماساي في كينيا هي السبب الرئيسي في المستوى الصحي المرتفع لديهم والشاهد أن بعض أفراد قبائل الماساي الذي إنتقلوا للعيش في ضواحي العاصمة نيروبي قد أظهروا زيادة في أمراض القلب وتصلُّب الشرايين بنسبة تزيد عن ٢٥% مقارنة مع نظرائهم الذين يعيشون في الأرياف والمناطق الصحراوية. إنَّ الأطعمة المعلَّبة, المواد الحافظة المستخدمة في الصناعات الغذائية, مطاعم الوجبات السريعة والضغط النفسي الناتج عن مشاكل الحياة اليومية وضغوط العمل هي كلها عوامل مجتمعة تؤدي الى تراجع الصحة العامة وتزايد نسبة أمراض القلب والشرايين وضغط الدم المرتفع.
مع تمنياتي للجميع دوام الصحة والعافية
النهاية
No comments:
Post a Comment