الكتاب: دور السلطان عبد الحميد الثاني في تسهيل السيطرة اليهودية على فلسطين(1876-1909)
الكاتب: د. فدوى نصيرات
الدكتور فدوى نصيرات هي أكاديمية أردنية معروفة حائزة على بكالوريوس التاريخ من جامعة اليرموك الأردنية(1995), ماجستير في تاريخ العرب المعاصر من الجامعة نفسها(1998) ودكتوراه في فلسفة التاريخ عن تاريخ العرب الحديث والمعاصر من الجامعة الأردنية(2008). كما شغلت عدد من المناصب الأكاديمية منها عضو هيئة التدريس في جامعة فيلادلفيا الأردنية(2005-2013) وعضو في جمعية المؤرخين العرب(2010-2013). تشارك الدكتورة فدوى في إلقاء المحاضرات وعقد الندوات حول مناهضة العنصرية والصهيونية ومواضيع تاريخية متنوعة.
الكتاب الذي أقدمه لكم اليوم قد أثار الكثير من الجدل وتعرض الى هجوم من أتباع أحزاب الإسلام السياسي وأنصار مايسمى الخلافة العثمانية خصوصا حزب الإخوان المسلمين وحزب التحرير وغيرهم ممن تعرضوا الى غسيل الدماغ حول تاريخ الدولة العثمانية وامجادها السابقة. كما تعرضت الكاتبة للهجوم وبأن وجهة نظرها منحازة وغير حيادية وبأن السلطان عبد الحميد الثاني هو شخص مفترى عليه وأن جمعية الإتحاد والترقي كانت هي المسؤولة عن كل المصائب والأحداث الوخيمة التي مرت بها الدولة العثمانية وأدَّت الى ضياع فلسطين وسيطرة الصهيونية عليها. كل تلك الأكاذيب التاريخية التي يحاول من خلالها أتباع الإسلام السياسي تضليل الشعوب بها لن تصمد أمام باحثة تاريخية ومتخصصة مثل الدكتورة فدوى نصيرات.
في مقدمة كتابها, وصفت الدكتورة فدوى شخصية السلطان عبد الحميد الثاني بأنه كان يتَّصف بالحنكة السياسية والفكر الثاقب يدرك مايدور حوله بفطنة وسرعة بديهة. كما أنه كان على علم قوي بالشؤون الأوروبية عارفا باللغات والعادات والشؤون الخارجية لكل من العالمين الشرقي والغربي ويتابع كل كبيرة وصغيرة من شؤون وقضايا الأمة. الهدف من تلك المقدمة هو إبراز شخصية السلطان وبأننا لسنا أمام شخصية ضعيفة لا تدرك ما يدور حولها من أحداث وبالتالي لا تستطيع التنبؤ بما سوف يقع في المستقبل. وقد نجح السلطان عبد الحميد بالحفاظ على حكمه في ظل ظروف محلية ودولية غاية في التشابك والتعقيد, ثورات في البوسنة والهرسك وبلغاريا وحرب مع روسيا القيصرية وإستيلاء فرنسا على تونس(1881) وإنجلترا على مصر(1882). أما داخليا, فقد فرض السلطان عبد الحميد الثاني حكما إستبداديا طوال ثلاثين عاما حيث أنه سنة 1878 قام بحل البرلمان الذي تم تشكيله سنة 1876 وعطَّل الدستور, الخزينة كانت خاوية ومالية الدولة العثمانية تعاني من الديون.
خلال محاضرة في جمعية مناهضة الصهيونية والعنصرية عقدت في العاصمة الأردنية عمان محورها كتاب "دور السلطان عبد الحميد الثاني في تسهيل السيطرة اليهودية على فلسطين(1876-1909)" , تحدثت الدكتورة فدوى أن القدس كانت مرتبطة إداريا بالعاصمة العثمانية وأن توقيع السلطان عبد الحميد الثاني كان ضروريا على أي فرمان أو أمر إداري يخص تلك المدينة والمناطق التي حولها وبالتالي لا يمكن تصديق المزاعم أنه لم يكن يعلم بما يدور في فلسطين و المطامع الصهيونية في تلك البقعة من أراضي الدولة العثمانية. الباحثة ذكرت أن عدد اليهود الذين استوطنوا في فلسطين قد إزداد الى 80 ألفا سنة 1908 وهو ثلاثة أضعاف عددهم سنة 1882. وخلال فترة حكم السلطان عبد الحميد الثاني, تمكن اليهود من دخول فلسطين والاستيطان فيها وتأسيس أكثر من ثمانية وستين مستعمرة تحت سمع وبصر السلطات العثمانية وعلى أراضي تم شراؤها وترخيصها بشكل قانوني.
إن أحد أهم الوثائق التاريخية التي يعتمد عليها أنصار الخلافة العثمانية والمدافعين عن السلطان عبد الحميد الثاني هي رسالة أرسلها الى محمود أبو الشامات شيخ الطريقة الشاذلية اليشرطية في دمشق دافع فيها عن موقفه فيما يتعلق باستيلاء الصهيونية على فلسطين وأنه قاوم مطامعهم ورفض الإغراءات التي قدموها خصوصا المالية مما أدى الى عزله من عرش السلطنة ونفيه خارجها الى مدينة سالونيك في اليونان. الباحثة فدوى نصيرات تساءلت عن سبب عدم ظهور تلك الرسالة في حياة الشيخ محمود أبو الشامات وحتى بعد وفاته سنة 1923 ولم تظهر إلا سنة 1972 عن طريق أحد أحفاده ولماذا بقي ذلك السر مدفونا كل تلك الفترة التاريخية حين كانت الحاجة الى إبرازه والدفاع عن موقف السلطان عبد الحميد الثاني ملِحََة وضرورة تاريخية. أحد النقاط المهمة التي ذكرتها الدكتورة فدوى هي أن رسالة السلطان عبد الحميد إلى الشيخ محمود أبو الشامات هي رد على رسالة من الأخير اليه ولكن السلطان عبد الحميد يكاد لا يذكر الكثير عن رسالة شيخه ولا عن أسبابها ولايوجد في أرشيف الشيخ محمود أبو الشامات أي ذكر لتلك الرسالة وقد كان حريا بالشيخ أن يظهرها ويدافع عن سمعة أحد كبار مريديه. وقد أضافت الباحثة في تحليلها لتلك الوثيقة الكثير من الآراء القيمة والمفيدة لأي باحث تاريخي يسعى الى رأي, لن أقول محايدا, بل يعتمد على وقائع تاريخية محددة وواضحة.
كتاب د.فدوى نصيرات "دور السلطان عبد الحميد الثاني في تسهيل السيطرة اليهودية على فلسطين(1876-1909)" هو أحد الكتب المهمة والمتخصصة في مجال التاريخ والبحث التاريخي والتي أعتبرها إضافة مهمة الى أي مكتبة يكون مالكها مهتما بحقبة تاريخية كانت تعتبر مجالا خصبا للأكاذيب والشائعات بهدف إستجرار الماضي وتطبيقه على واقعنا المعاصر واستغلال ذلك لتحقيق أهداف سياسية لا تريد للوطن العربي والعرب الخير. أنصح بشراء الكتاب وقراءته لأنني لا أستطيع في تقديم مختصر لمحتوى الكتاب أن أذكر جميع النقاط المهمة التي تحدثت عنها المؤلفة حيث أنني لا أرغب في أن أضيع على القارئ فرصة إكتشاف ذلك بنفسه.
مع تمنياتي للجميع دوام الصحة والعافية
النهاية
No comments:
Post a Comment