تتجه أنظار المستثمرين في جميع الدول إلى نتيجة اجتماع اللجنة الفيدرالية للسوق المفتوحة التي تتبع بنك الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي التي تعقد مرة كل ستة أسابيع حيث تتخذ اللجنة قرارها بشأن أسعار الفائدة. وعلى الرغم من أهمية بنك الاحتياطي الفيدرالي والقرارات التي تصدر عنه وتؤثر على القرارات التي يتخذها المستثمرون في الولايات المتحدة وغيرها من الدول, إلا أن بنك التسويات الدولي(BIS) الذي يقبع في الظل في مدينة بازل السويسرية هو بنك البنوك في العالم وإن كان لا يتم تسليط الضوء عليه إعلاميا وعلى اجتماعاته التي تحاط بالسرية والتكتم ولا يسمح للصحافيين بالدخول إلى قاعة الاجتماعات حتى بعد مغادرة المجتمعين لها.
يروي الكاتب والصحفي البريطاني آدم ليبور تاريخ ذلك البنك في كتابه "برج بازل" حيث تم تأسيسه سنة 1930 من أجل تسهيل دفع التعويضات التي فرضت على ألمانيا بموجب اتفاقية فرساي التي عقد بعد انتهاء الحرب العالمية الأولى سنة 1919 والتي بلغت قيمتها 31 مليار دولار. البنك يتمتع بحصانة قانونية بموجب اتفاقية عقدت سنة 1987 حيث يتمتع بنفس درجة الحماية التي تتمتع بها البعثات الدبلوماسية والهيئات الدولية مثل صندوق النقد الدولي ولا يحق للسلطات السويسرية دخول مبنى البنك الرئيسي أو أي من المباني التابعة له بدون إذن إدارة البنك.
تضم عضوية البنك 60 دولة لا يجتمع ممثليها في نفس المكان إلا عند طاولة الغداء حيث هناك ثلاثة إجتماعات: الأول يحضره ممثلو 18 عشرة بنكا وهو حصري ولا يحضره غيرهم, إجتماع اليوم التالي يحضره 18 بنكا الذي حضروا الإجتماع السابق بالإضافة الى ممثلي 12 بنكا مركزيا أقل أهمية, الإجتماع الثالث يحضره ممثلو 18 بنكا بالإضافة الى محافظي البنوك المركزية الخاصة بكل من تركيا وإندونيسيا وبولندا وجنوب إفريقيا وإسبانيا. وفي ذلك الاجتماع, يسمح لمحافظي 15 بنكا مركزيا تصنَّف بأنها أقل أهمية مثل المجر ونيوزيلاندا بالجلوس في الصف الثاني بصفة مراقب ولا يحق لهم المشاركة في النقاش. أما بالنسبة لمحافظي البنوك المركزية الأخرى التي توصف بأنها درجة ثالثة مثل مقدونيا وسلوفاكيا, لا يسمح لهم بحضور ذلك الإجتماع.
قائمة الأعضاء المؤسسين للبنك ضمت بريطانيا وفرنسا وألمانيا وإيطاليا وبلجيكا وتحالف من البنوك اليابانية. الولايات المتحدة رفضت المشاركة بسبب خشيتها من أن يشكل هذا الكيان انتهاكاً لسيادتها الوطنية. لكن مجموعة من البنوك الأمريكية الخاصة في مقدمتها "جيه بي مورجان" تستحوذ على جزء من أسهم البنك. ولكن الولايات المتحدة انضمت للبنك في الستينيات بعد أن قام البنك بالدفاع عن الدولار الأمريكي الذي تعرَّض للهجوم وذلك عن طريق ترتيب عقود مقايضات ضخمة من المال والذهب.
أحد مهام بنك التسويات الدولي هي الإشراف على البنوك التجارية من خلال لجنة بازل للرقابة المصرفية التابعة للبنك حيث تقوم تلك اللجنة بتنظيم متطلبات رأس المال والسيولة للبنوك التجارية بحد أدنى لكفاية رأس المال تساوي 8%. أي أن البنوك التجارية لا تستطيع أن تقرض أكثر من 12 ضعفا من رأسمالها إلا بعد زيادة رأس المال الخاص بها.
الصحفي آدم ليبور يتمتع بالموهبة وأسلوب رائع في الكتابة يروي في كتابه الذي يعتبر أول تأريخ حقيقي للمؤسسة المالية الدولية الأكثر سرية في العالم. الكتاب تلقى نقدا إيجابيا من أشهر الصحف العالمية مثل وول ستريت جورنال, نيويورك تايمز, بلومبيرغ و وكالة رويترز الإخبارية.
مع تمنياتي للجميع بدوام الصحة والعافية
النهاية