فريد زكريا محلل سياسي وصحفي أمريكي مسلم من أصل هندي يكتب في عدد من الصحف الأمريكية منها صحيفة التايم(Time) والواشنطن بوست(Washington Post). كما أنه يقدم برنامج (GPS) على قناة السي إن إن الإخبارية يناقش فيه مع ضيوفه شؤون العالم السياسية والإقتصادية حيث يستضيف المشاهير من أكاديميين ورؤساء ونجوم المجتمع منهم رئيس الوزراء البريطاني السابق توني بلير, وزير الخارجية السابق هنري كيسنجر, كونداليزا رايس وزيرة الخارجية الأمريكية السابقة والرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما. تخرج فريد زكريا من أرقى الجامعات في الولايات المتحدة, جامعة ييل التي حصل منها على الماجستير وجامعة هارفارد التي تخرج منها بدرجة الدكتوراه في العلوم السياسية. كما أنه تتلمذ على يد أستاذ العلاقات الدولية في جامعة هارفارد ستانلي هوفمان و صامويل هنتنجتون مؤلف كتاب "صراع الحضارات."
كتاب "عالم مابعد أميركا" أثار الكثير من الجدل خصوصا في الوطن العربي بعد صورة مشهورة للرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما وهو يحمل نسخة من الكتاب حيث بدأت التكهنات حول المحتوى وأن فريد زكريا يتوقع نهاية الولايات المتحدة. ولذلك السبب فقد إخترت الكتاب حتى أقدَّمه للقارئ ولكل مهتم بمعرفة محتواه ومايحاول الكاتب أن يخبرنا به من بين السطور. الكتاب يتألف من مقدمة وسبعة فصول يتحدث فيها الكاتب بالتفصيل عن نهاية سياسة القطب الواحد وانحسار الدور الأمريكي في العالم بالمقدار الذي يتطلَّب تعاون الولايات المتحدة مع دول مثل الصين والهند وذلك لحل مشاكل العالم مع بقائها الأقوى والأكثر تطورا وحداثة.
العصر الذهبي للاقتصاد والتجارة قد إنتهى مع أحداث أزمة الرهون العقارية منخفضة الجودة 2008 التي جعلت الاقتصاد العالمي على حافة الإنهيار الكامل, 40 تريليون دولار من قيمة الأسهم في الإقتصاد العالمي تبخرت و انهارت مؤسسات اقتصادية عريقة مثل بنك ليمان براثرز التي أعلنت إفلاسها. ولم يمكن إنقاذ الاقتصاد العالمي الا بفضل حزم إنقاذ(Stimulus Package) بمئات المليارات. إن فريد زكريا يرى من وجهة نظره أن تراجع مكانة الولايات المتحدة في العالم لايعني إختفاء الدور الأمريكي من الساحة الدولية بل صعود قوى أخرى متمثلة في دول ومنظمات غير حكومية وأفراد, الولايات المتحدة سوف تكون عاجزة عن مواجهة التحديات الدولية بدون التعاون مع تلك القوى الصاعدة. على المستوى العسكري, مازالت الولايات المتحدة تمتلك القوة العسكرية الأكثر تقدما من الناحية التكنولوجية والأكثر قدرة على الانتشار السريع في أي بقعة من العالم. أما بالنسبة لجميع مستويات القوى الأخرى خصوصا الصناعية, المالية, التعليمية, الثقافية والإجتماعية, فإنها تتوزع وتتحول بعيدا عن سيطرة وهيمنة الولايات المتحدة. ولكن ذلك لا يعني أننا ندخل عالما معاديا لأمريكا, ولكننا ندخل في مرحلة عالم ما بعد أمريكا.
هناك مجموعة من التحديات التي تعرض لها الاقتصاد العالمي في السابق, ومايزال في عصرنا الحالي معرضا الى تبعاتها وآثارها. تلك التحديات فرضها التقدم في تكنولوجيا المعلومات والثورة في وسائل الاتصالات وتطور عمل وسائل الإعلام بفضل ذلك. إن البث الحي والمباشر للأخبار على مدار 24 ساعة ومن أكثر من قناة ومحطة تلفزيونية وإذاعية بالإضافة الى الصحف والمجلات ومواقع الإنترنت أدى إحداث إنطباع مبالغ فيه في نفوس المتابعين, نوع من التهويل والتضخيم للأحداث. العالم في وقتنا الحالي أقل اضطرابا من أي وقت مضى خصوصا الفترة الممتدة من الستينيات الى نهاية الحرب الباردة حيث كانت أحداث العنف والتفجيرات تحصل وبشكل يومي ومتكرر. ولكن المختلف في عصرنا هو الاستجابة, الوقت الذي تستغرقه ردة الفعل حتى يعود الوضع الى ماهو عليه حيث تستمر انسيابية حركة التجارة الدولية الى ماهو عليه ويستغرق الإقتصاد فترة أقل من السابق للتعافي.
هناك مقولة شهيرة منسوبة للإمبراطور الفرنسي نابليون بونابرت:"دعوا الصين تنام, لأنها ستهز العالم عندما تستيقظ." إن بروز الصين على مسرح الأحداث الدولية ومنافستها للولايات المتحدة واليابان ودول أوروبية في المجال الاقتصادي قد يستغرق بضعة عقود منذ نهاية الحرب العالمية الثانية. الصين استفادت من ظاهرة العولمة والتجارة الحرَّة منذ نهاية عقد السبعينيات وذلك بفضل إطلاقها إصلاحات إقتصادية. النتائج كانت مذهلة, نمو اقتصادي يزيد عن 9% لمدة تزيد عن ثلاثين عاما حيث تحولت الى مركز تصنيع عالمي وقيام شركات كبرى بخطوة افتتاح مقرات ومصانع لها في الصين. كمان أن نتائج التنمية البشرية كان معجزة بكل المعايير والمقاييس, 400 مليون مواطن صيني إرتفع مستوى معيشتهم وخرجوا من دائرة الفقر, وذلك رقم يزيد عن عدد سكان الولايات المتحدة. الخبير الإقتصادي جيفري ساكس أشار الى تجربة الصين بأنها "أكثر قصص التطور نجاحا في تاريخ العالم." ولو تحدثنا بلغة الأرقام: في العام 1978, كانت الصين تنتج 300 مكيف في السنة, بينما حاليا تنتج أكثر من 48 مليون مكيف سنويا. منطقة باندونغ شرق مدينة شانغهاي من منطقة ريفية الى مركز مالي اضخم بمقدار ثمانية مرات من مركز مدينة لندن المالي كاناري وارف(Canary Wharf) وأصغر بقليل من حجم مدينة شيكاغو الأمريكية. المدن العشرين الأسرع نموا في العالم تقع في الصين. في السنة 2005, كانت الصين تعمل على مشاريع تبلغ مساحتها 25 مليار قدم مربع. العاصمة بكين التي خضعت لعملية إعادة تخطيط استعدادا لدورة الألعاب الأولمبية 2008 شملت ستة خطوط أنفاق جديدة, نظام قطارات خفيفة بطول 43 كم, مطار مركزي جديد هو الأضخم في العالم, ملكيات عقارية تبلغ مساحتها 25 مليون قدم مربع, حزام أخضر بطول 125 كم وقرية أولمبية مساحتها 12 كم مربع.
مع تمنياتي للجميع دوام الصحة والعافية
النهاية
No comments:
Post a Comment