كان سميدلي دارلنجتون بتلر(١٨٨١-١٩٤٠) أكثر ضباط الجيش الأمريكي حصولا على الأوسمة بلغ عددها ١٦ وساما خمسة منها للأعمال البطولية وكان واحدا من بين ١٩ تم منحهم ميدالية الشرف مرتين. شارك بتلر في الحرب الإسبانية-الأمريكية, الحرب الفلبينية-الأمريكية, إنتفاضة الملاكمين(١٩٠٠) في الصين, حروب الموز في أمريكا اللاتينية, الثورة المكسيكية والحرب العالمية الأولى. سنة ١٩٣٣, قدَّمَ بتلر شهادته أمام الكونغرس أن مجموعة من رجال الأعمال الأمريكيين يخططون للإنقلاب على الرئيس فرانكلين روزفلت وأنهم طلبوا منه أن يقود مسيرة من كبار المحاربين وتولي منصب الرئيس وتحويل أمريكا الى نموذج حكم أشبه بالفاشية. أنكر الجميع وجود أي مؤامرة وسخروا من بتلر وادعاءاته ولكن تحقيقا منفصلا أجراه الكونغرس الأمريكي أثبت بعضاً من مزاعم بتلر.
سنة ١٩٣٥ قام سميدلي بتلر بتأليف كتاب "الحرب هي خدعة" وتحول من ضابط في القوات المسلحة الأمريكية الى ناشط وداعية من أجل السلام. يتألف الكتاب من خمسة فصول. الأول, الحرب هي خدعة. الثاني, من الذي يحقق الأرباح؟. الثالث, من الذي سوف يدفع الفاتورة؟. الرابع, كيف تحطم هذه الخدعة؟. الخامس, الجحيم مع هتلر.
٢١.٠٠٠ مليونير و ملياردير جديد في الولايات المتحدة خلال الحرب العالمية الأولى. سنة ١٩٣٥ تاريخ تأليف الكتاب كان هناك ٤٠ مليون عسكري في العالم مدربين وجاهزين للمشاركة في الحروب ورغم ذلك السياسيون يؤكدون عدم سعيهم الى الحرب. فرنسا رفعت مؤخرا فترة الخدمة العسكرية الإلزامية من سنة الى ١٨ شهرا. الحرب العالمية الأولى كلفت الولايات المتحدة رغم قصر فترة مشاركتها فيها مبلغ ٥٢ مليار دولار.
شركة الصناعات الكيميائية في الولايات المتحدة دوبونت حققت معدل أرباح خلال الفترة الزمنية(١٩١٠-١٩١٤) بلغت ٦ ملايين دولار سنويا بينما بلغت أرباحها خلال الحرب العالمية الأولى(١٩١٤-١٩١٨) ٥٨ مليون دولار سنويا وذلك يعني زيادة نسبتها ٩٥٠%. شركة صناعة الحديد والصلب الأمريكية Bethlehem Steel كانت تعمل في صناعة حديد بناء الكباري والجسور وانتقلت مع بداية الحرب العالمية الأولى الى صناعة الذخائر. أرباح الشركة رغم أنها شركة صغيرة قفزت من ٦ ملايين دولار سنويا(١٩١٠-١٩١٤) الى ٤٩ مليون دولار سنويا(١٩١٤-١٩١٨). شركة حديد الولايات المتحدة(United States Steel) وتعتبر من أكبر شركات الصلب والحديد في الولايات المتحدة حققت معدل أرباح ١٠٥ مليون دولار(١٩١٠-١٩١٤) والذي ارتفع الى ٢٤٠ مليون دولار(١٩١٤-١٩١٨).
إن جميع الشركات في الولايات المتحدة حققت أرباحا ضخمة خلال الفترة (١٩١٤-١٩١٨) بداية من شركات الصناعات الكيميائية, الحديد والصلب, الذخائر والمتفجرات, شركات الفحم وليس إنتهاء بشركات صناعة الأحذية والمطاط والقائمة طويلة. ولكن السؤال هو من دفع فاتورة الحرب؟
المواطن الأمريكي الذي قام بشراء سندات الحرية قيمتها ١٠٠ دولار وباعها الى البنوك مقابل ٨٤ أو ٨٥ دولار بعد أن تلاعبت تلك البنوك بقيمتها ولكنها قبضت في النهاية قيمتها الحقيقة من الحكومة الأمريكية وحققت أرباح تزيد عن مبلغ ١٠٠ دولار سعر السند الأصلي. الجنود الأمريكيون هم من دفع الفاتورة الحقيقة من دمائهم حيث معدل إصابة ووفاة قدامى محاربين الحرب العالمية الأولى بالأمراض يزيد ثلاثة أمثال عن المواطن الذي لم يشارك في الحرب. معدل الإصابة بالأمراض العقلية والنفسية ارتفع الى السماء.
الحكومة الأمريكية ضحكت على جنودها حتى تدفعهم الى ساحات القتال في أوروبا مقابل أجورهم الرخيصة فظهر نظام ميداليات الشجاعة والشرف وغيرها من المسميات والتي لم تكن معروفة خلال الحرب الأهلية الأمريكية وظهرت لأول مرة خلال الحرب الإسبانية-الأمريكية. متوسط راتب جندي أمريكي خلال الحرب العالمية الأولى كان ٣٠ دولار شهريا وعملت آلة الدعاية على الترويج للحرب العالمية الأولى إنها الحرب التي سوف تنهي كل الحروب وان الهدف هو جعل العالم أمنا للديمقراطية. آلاف الجنود الأمريكيين قتلوا حتى قبل وصولهم ساحات القتال الفعلية حيث أغرقت الغواصات الألمانية سفنهم التي تحولت الى ما يشبه التوابيت العائمة.
مع تمنياتي للجميع دوام الصحة والعافية
النهاية