القارة الإفريقية هي القارة الأكثر فقرا في العالم ولكنها في الوقت نفسه الأكثر ثروة وتلك مفارقة مدهشة. الرئيس الفرنسي السابق جاك شيراك(١٩٩٥-٢٠٠٧) إعترف في إحدى مقابلاته أن نسبة كبيرة من الأموال الموجود في حافظة الأوراق الاستثمارية الفرنسية مصدرها الإستغلال ومنذ عدة قرون للقارة الإفريقية. مالينس بارت ويليامز, طالبة إقتصاد ألمانية تعود أصولها الى دولة سيراليون في إفريقيا تساءلت بشجاعة خلال أحد اللقاءات في تيدكس-برلين عن تلك المفارقة, ماقيمته ٥٠٠٠ ليون سيراليوني يساوي وحدة عملة أوروبية قيمتها يورو واحد على الرغم من أن إفريقيا هي أحد أهم مصادر الذهب الذي يستخرج من شركات أوروبية بدون أن تستفيد منها القارة السمراء الأفقر في العالم. الأرقام التي تحدثت عنها مالينس تثير الدهشة والاشمئزاز في الوقت نفسه, ٥٠٠ مليار دولار سنويا قيمة المبالغ التي تجبر فرنسا دولا في القارة الإفريقية على دفعها بذريعة أنها ديون ترتبت على تلك الدول خلال فترة الإستعمار الفرنسي.
توم بورغيس صحفي استقصائي بريطاني عمل لمدة ثمانية سنوات مراسلا لصالح صحيفة فاينانشيال تايمز البريطانية في عدة دول إفريقية منها نيجيريا وجمهورية جنوب إفريقيا. وقد فاز توم بورغيس بعدد من الجوائز نتيجة عمله العنيد والشجاع في فضح المصالح الراسخة القوية للشركات والعسكرية والمالية والسياسية، التي نهبت الفائض من ثروات أفريقيا حيث صبت عوائد مالية ضخمة تجاوزت سنة ٢٠١٠ أكثر من ٣٠٠ مليار دولار في حسابات شبكة عالمية من التجار والمصرفيين المتحالفين مع شركات ومستثمرين وأوساط سياسية محلية مارقة وفاسدة من أجل نهب الثروات الطبيعية للقارة السمراء خصوصا النفط, الذهب, الألماس, النحاس و الكولتان. ولا يتردد توم بورغيس في وصف المستفيدين من آلهة النهب بأنهم مافيات وفاسدون حتى النخاع حيث يكشف عن ممارسات لا أخلاقية تشمل تقديم الرشاوي ومخالفة القانون خلال مختلف مراحل استغلال ثروات القارة الإفريقية.
في كتابه الصادر سنة ٢٠١٦, يكشف توم بورغيس حقيقة معجزة التنمية الإفريقية في قارة غنية بالموارد الطبيعية, إنه مجرد سراب. نصيب القارة الإفريقية من التصنيع العالمي ١% منذ سنة ٢٠٠٠ على الرغم من أنها تعتبر ٣٠% من احتياطي العالم من الهيدروكربونات والمعادن وتمثل ١٤% من تعداد سكان العالم. القارة الأفريقية تساهم بما نسبته ٢% من الناتج الإجمالي العالمي بينما تحتوي على ١٥% من البترول الخام في العالم, ٤٠% من الذهب, ٨٠% من مادة البلاتين الثمينة و مخزونات هامة من مادة اليورانيوم. القارة الإفريقية هي القارة الأكثر ثروة في العالم ولكنها مكان يعاني من الحروب الأهلية والأزمات والصراعات الإثنية والعرقية, البؤس, الفقر, الأوبئة ونقص الخدمات العامة خصوصا في مجال الصحة ونظام تعليمي غاية في التأخر والتخلف. دول القارة الإفريقية بقيت مربوطة في أسفل سلسلة الإمداد الصناعي في الوقت نفسه الذي نجحت فيه دول مثل الصين والبرازيل في نقل اقتصادها الى مستوى متقدم, الصين هي مركز صناعي عالمي والبرازيل تحولت من دولة مدينة الى دول دائنة.
هناك الكثير من الحقائق والمعلومات المثيرة التي يكشف عنها توم بورغيس في كتابه الأول والتي لن أضيِّع على القارئ المتعة في إكتشافها عبر شراء الكتاب وقرائته. كتاب "آلة النهب: أمراء الحرب ، الأوليغارشية ، الشركات ، المهربون ، وسرقة ثروات إفريقيا" تلقى الكثير من ردود الفعل الإيجابية من صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية التي وصفت الكاتب بالجرأة والشجاعة, صحيفة وول ستريت جورنال التي أثار الكتاب إعجاب محرريها وصحف عالمية أخرى مثل الإيكونوميست, الفاينانشيال تايمز, التايمز و صحيفة الأوبزرفر التي لم تتردد في كيل المديح للمؤلف وكيف أنه فضح حتى دور البنك الدولي في آلة النهب.
مع تمنياتي للجميع دوام الصحة والعافية
النهاية
No comments:
Post a Comment