في عالم الرأسمالية الذي لا يرحم, كانت شركات مثل جنرال موتورز تعتبر ممثلة للإقتصاد الأمريكي وفخر الصناعة الأمريكية. ولكن في ذلك العالم نفسه حيث لامكان للملائكة, وفي عصرنا الحالي, تعتبر شركات البيع بالتجزئة مثل وول مارت هي التي تعبر عن التوجهات التجارية والاقتصادية في عالم تتصارع فيه كبريات الشركات على حصة أكبر من السوق. إن شركة وول مارت ليست شركة عادية بل هي شركة عملاقة بكل ماتحمله الكلمة من معنى تمثل 2% من الناتج المحلي الإجمالي في الولايات المتحدة. الأمريكيون ينفقون متوسط 36 مليون دولار في الساعة خلال تسوقهم في متاجر وول مارت, سنة 2004, بلغت إيرادات وول مارت أكثر من 469 شركة ضمن 500 شركة على قائمة مجلة فورتشن.
ولد سام والتون مؤسس شركة وول مارت في 9/مارس/1918 في بلدة كينج فيشر في ولاية أوكلاهوما, تخرج سنة 1940 من جامعة ميسوري في تخصص إدارة الأعمال وعمل في متجر JCPenney العملاق للبيع بالتجزئة متدربا يتقاضى 75 دولار شهريا. خلال الفترة 1942-1945, خدم سام والتون في الجيش الأمريكي حيث كان مسؤولا عن مصانع الطائرات ومعسكرات الأسرى في الولايات المتحدة. تزوج من هيلين روبسون سنة 1943. بدايته العملية في عالم المال والأعمال كانت سنة 1945 حيث استدان مبلغا من المال من والده وقام بشراء إمتياز أحد متاجر شركة بن فرانكلين في بلدة نيوبورت في ولاية أركنساس وحوله من متجر خاسر الى أفضل متجر تابع للشركة تحقيقا للأرباح. كانت سام والتون يعتمد إستراتيجية عمل مسح للمتاجر المنافسة وتقييم سياسات العرض والتسعير الخاصة بها والتفاوض مباشرة مع الموردين.
أول متجر خاص من متاجر وول مارت افتتحه سام والتون بمشاركة شقيقه سنة 1962 في بلدة روجرز في ولاية اركنساس. المنافسة في سوق البيع بالتجزئة كانت شديدة حيث بدأت مجموعة شركات مثل Woolworth, Kmart التي تتبع سلسلة متاجر Woolco وTarget التي تتبع سلسلة متاجر Dayton Hudson. وخلال خمسة سنين من افتتاح سلسلة متاجر Kmart, توسعت الشركة الى 250 متجرا ومبيعات بلغت 800 مليون دولار سنويا بينما كان لدى وول مارت 18 متجرا ومبيعات 18 مليون دولار. ولكن حاليا, تعتبر شركة أمازون هي المنافس الحقيقي الوحيد لشركة وول مارت بينما أغلق عدد من منافسي وول مارت متاجرهم خصوصا Target و Kmart حيث فاق نجاح شركة وول مارت وفكرة البيع بالأسعار المخفضة مؤسس الشركة نفسه.
ولكن الصورة ليست وردية في مجملها فيما يتعلق بتأثير وول مارت. فقد لقيت الشركة معارضة مجتمعية واسعة بسبب تأثيراتها السلبية على تجارة التجزئة في المجتمعات المحلية ورفع ضدها عدد من القضايا بسبب مخالفة قوانين العمل في الولايات المتحدة. إن هوس وول مارت في سبيل تخفيض الأسعار قد أدى الى إفلاس الموردين, إرسال الوظائف إلى الخارج, وتأثيرات سلبية على تجار التجزئة المحليين خصوصا في البلدان التي تتعامل معها شركة وول مارت. إن تأثير وول مارت ذو وجهين, الوجه الأول هو أن المستهلكين يستفيدون من تخفيضات الأسعار حتى لو لم يقوموا بالتسوق مباشرة من متاجر الشركة, بينما وول مارت التي لديها قوة الحياة أو الموت على مورديها لا تَخضَعُ الى قوانين السوق بل تُخضِعُ قوانين السوق لها. باختصار, إن وول مارت ليس خيرا ولا شرًا ، ولكن ببساطة حقيقة من حقائق الحياة المعاصرة وعالم العولمة التي بالكاد يمكننا فهمها ، ناهيك عن السيطرة عليها.
يأخذنا مؤلف كتاب "تأثير وول مارت: كيف تعمل حقا أقوى شركة في العالم - وكيف تغيِّر الاقتصاد الأمريكي" تشارلز فيشمان في رحلة ممتعة إلى قلب أحد أكبر الشركات على وجه الأرض, لا ينافس وول مارت في تحقيق الأرباح إلا شركات النفط مثل إكسون موبيل. يقوم تشارلز فيشمان الذي يتسوق بنفسه من وول مارت ومن خلال كتابه بتبسيط مختلف أشكال "تأثير Wal-Mart" في كافة القطاعات، سواء لصانعي الدرجات في الصين أو مزارعي السلمون في شيلي. إن تأثير وول مارت رائع للغاية حيث يمكنه التحكم في كل شيء بداية من ممارسات العمل وقوانين المختلفة إلى قوى السوق نفسها، حيث يتساءل Fishman كيف تتمكن شركة من فعل كل هذا؟ وماذا ستكون التكلفة القصوى لانخفاض الأسعار؟
مع تمنياتي للجميع دوام الصحة والعافية
النهاية
No comments:
Post a Comment