قد يعتقد البعض أنَّ تأليف الكتب هي مهمة سهلة للغاية, تجلس في مكتب أمام جهاز الكمبيوتر الخاص بك بضعة ساعات كل يوم ثم بعد عِدَّة أشهر يتط طباعة كتابك. الأمر على أرض الواقع مختلف تماما وقد يتطلب عدة أشهر من السفر والمخاطرة ربما بحياتك والتعرض الى مضايقات. أفضل الكتب التي يمكن قراءتها هي الكتب التي أنتجتها التجربة التي عايشها الكاتب بنفسه يوما بيوم, أشبه مايكون بكتابة مذكراتك أو أنَّ قرائتها أشبه ماتكون بقرائة دفتر يوميات شخص ما. الصورة التي ينقلها الكاتب أشبه ماتكون بواقعية تجعلك تحس بها, تفرح أو تحزن للشخصيات التي ذكرها الكاتب كأنك تعيش القصة بنفسك.
هناك عدد قليل من الكتاب والمؤلفين الذين قرأت لهم والذي يعتبرون أن ممارستهم التأليف والعمل الصحفي هو عمل واقعي يتطلب الحضور في مكان الأحداث ومقابلة أكبر عدد ممكن من الأشخاص والإستماع إليهم, وليس الجلوس وراء المكتب وشاشات أجهزة الكمبيوتر. الصحفي الأمريكي جيرمي سكاهيل مؤلف كتاب "حروب قذرة, العالم ساحة المعركة" هو أحدهم بينما المؤلف الآخر الصحفي الأمريكي المستقل كيلسي تيمرمان والذي كتابه " أين تُصنع ملابسنا؟: رحلةٌ حول العالَم لمقابَلة صنَّاع الملابس" هو محور الحديث اليوم والكتاب رقم ٤٠ الذي أتحدَّثُ عنه في مدونة مائة كاتب وكتاب.
عندما أراد مؤلف الكتاب أن يعرف أين تصنع الملابس التي يرتديها, فتح خزانة ملابسه حتى يعرف بنفسه أين تمَّ صنعها. ولكنه لم يكتفي بذلك بل سافر الى بنغلاديش, هندوراس, كمبوديا والصين حيث عايش حياة السكان المحليين الذي يعملون في صناعة الملابس ودخل منازلهم وتناول الطعام على موائدهم وتشارك معه ذكرياته وشاركوه هم بدورهم ذكرياتهم والتي كان الكثير منها مؤلما للغاية.
كيلسي تيمرمان صحفي لا يخشى أن يخوض التجربة بنفسه ويكتب عنها بمنتهى الواقعية. خلال زيارته الى هندوراس في رحلة بحثه عن المصنع الذي قام بحياكة قميص التي شيرت المفضل لديه, التقى بعامل يدعي أميلكار والذي استمرت صداقته معه حيث وصف في الكتاب كيف بدأت حين التقى به في مدينة سان بيدرو سولا في هندوراس قرب أحد مصانع المنسوجات وكيف نجح في التواصل معه بعد وصوله الى الولايات المتحدة من خلال سلوك طرق التهريب حيث تعرض الى مخاطر الخطف والقتل على أيدي عصابات لاترحم وتقتل كل من يرفض أهله طلب دفع الفدية. تحدَّث الكاتب عن عربفة, عاملة في أحد مصانع الملابس في العاصمة البنغلاديشية دكا التي تكافح من أجل إطعام أسرتها وبناء مستقبل لهم. عريفة عملة الملابس البسيطة التي كانت تعيش في زقاق ضيق في أحد مناطق العاصمة دكا بدون الحد الأدنى من مقومات الحياة الكريمة, بدون صرف صحي أو مياه جارية, كانت كريمة مع المؤلف حين زار منزلها قامت بطهي أرز مستورد غالي الثمن على شرف زيارته وحضوره الى منزلها.
هناك الكثير من الشخصيات التي تحدَّث عنها الكاتب بأسلوبه المشوِّق و وصف حياتها وكفاحها بطريقة تجعل القارئ لا يتوقف إلا في نهاية الكتاب وذلك ما حصل معي شخصيا.
الكتاب متوفر مجانا للتحميل من على موقع مكتبة هنداوي وكذلك هو متوفر للقراءة من على الموقع مباشرة.
رابط الكتاب على موقع هنداوي:
https://www.hindawi.org/books/31306851/
مع تمنياتي للجميع دوام الصحة والعافية
النهاية
No comments:
Post a Comment